بقلم - هالة العيسوي
ليس مستغربا أن تحتفي الصحف الإسرائيلية وحليفاتها الغربية بكتاب »الملاك» الذي ألفه أوري بار يوسف أستاذ العلوم السياسية الإسرائيلي فتفرد صفحاتها لتقديم العروض والملخصات وتروج لترجمته إلي اللغة الإنجليزية بعد أن أقامت الأفراح لنسخته العبرية المبكرة. وليس مستغربا أيضا أن تقدم تلك الصحف الإعلانات المتوالية عن قرب عرض فيلم الملاك المأخوذ عن الكتاب في دور العرض الأمريكية والإسرائيلية في آن واحد، والأخبار المتواترة والمتابعات لخطوات ومراحل إخراج العمل الفني إلي النور.
أما الذي يثير الاستغراب والاندهاش الذي يصل لحد الاستياء أن تنجر الصحف العربية والمصرية وراء الصحف الغربية والإسرائيلية في إفراد صفحات لعرض الكتاب المُعادي بـ »عَبَلُه» أو ترجمته للعربية دون تعقيب أو تقديم قراءة نقدية له مأخوذين بغواية قراءة الأعمال الأجنبية وبشهوة الاستعراض والسبق الصحفي وصدمة القراءة الأولي، ولا مانع من نشر بضعة سطور تطالب الدولة المصرية بالرد علي الكتاب والفيلم بإحدي الوسائل المتاحة كالإفراج عن الوثائق السرية الخاصة بفترة حرب أكتوبر وما قبلها أو بإنتاج فيلم عالمي يضارع الفيلم الأمريكي الصهيوني. مثل هذا النشر المجرد من أي رؤية نقدية أو تحقيق صحفي علي الجانب المصري يرتكب جناية أخطر من التطبيع مع العدو الصهيوني، وهي الترويج لمزاعمه وخدمة أغراضه الخبيثة ببث روح التشكيك وإفقادنا الثقة في أنفسنا والتباهي بانتصار المخابرات الإسرائيلية في حرب الجواسيس بعد هزيمتهم في حرب أكتوبر وبعد الضربات الاستخباراتية المصرية الموجعة بتجنيد عدد من العملاء في قلب إسرائيل.
الكتاب بنسختيه العبرية والإنجليزية والفيلم الأمريكي يتناول قصة أشرف مروان الذي تصفه الدولة العبرية بالملاك الذي أنقذ إسرائيل بزعم أنه كان أهم جاسوس لدي الموساد وأنه أمد الصهاينة بمعلومات فائقة الخطورة والسرية عن المطبخ الاستراتيجي المصري وجعله كالكتاب المفتوح أمام الإسرائيليين. الكتاب والفيلم يقدمان تفاصيل علاقة مروان بالموساد دون سند أو دليل علي تلك التفاصيل سوي رواية أصحابها مغلفة ببعض الشواهد أو أنصاف الحقائق لتوكيد صحة روايات الموساد.
لعل هذه المرة هي الوحيدة حتي الآن التي أتخلي فيها عن قناعتي بمبدأ حق المعرفة للقارئ وضرورة ترجمة كل الأعمال العبرية المهمة إلي اللغة العربية، لأطالب بضرورة انتقاء وتوجيه حركة الترجمة من العبرية مثلما يحدث عندهم لدي قيامهم بنقل الأعمال الفكرية المؤثرة من العربية إلي العبرية. فرغم أن الإصدار الأول بالعبرية لكتاب الملاك مثّل قنبلة لقارئيه بتلك اللغة إلا أنه لم يحظ بالصيت الواسع إلا بعد خروجه من شرنقة اللغة العبرية وترجمته إلي اللغة الإنجليزية، وفي الوقت الذي ظهر فيه كتاب عبري آخر بعنوان »جهاد السادات» يرد علي كتاب الملاك ويفند ما جاء فيه ألفه رجل المخابرات الإسرائيلي السابق شمعون مندس ويؤكد في خلاصته أن أشرف مروان كان عميل السادات لدي الموساد وأنه استطاع عبر مروان تمرير ما يرغب في نقله من معلومات مضللة للجانب الإسرائيلي ضمن خطة الخداع السابقة والممهدة لحرب أكتوبر أو أنه علي أقل تقدير كان عميلا مزدوجاً، إلا أن هذا الكتاب قوبل بتعتيم إسرائيلي منقطع النظير ولم يحظ بالاهتمام الذي قوبل به كتاب الملاك والغرض مفهوم طبعا، من ثم لم يترجم إلي لغات أخري اللهم إلا المرة التي نلنا فيها هذا الشرف في دار أخبار اليوم حين قمنا عبر قطاع الثقافة بنقله إلي العربية والتعقيب عليه تحت عنوان »أشرف مروان رجل السادات في الموساد». والمدهش أن الكتاب المتوفر باللغة العربية والذي يفند كتاب الملاك ويرد عليه بقراءة إسرائيلية لم يلفت نظر الكثير من مثقفينا الذين يتبارون في عرض الترجمة الإنجليزية للملاك. ألم أقل لكم إنها غواية قراءة الأجنبي والاستعراض بها دون تروٍ أو روية.
الحرب مع إسرائيل لم تنته، وكانت وماتزال حرب عقول ومعرفة وثيقة وجادة بالآخر وانتباه لأهدافه الخفية وإدراك لكيفية التعامل معها. ولاحظ أنهم وهم يولولون بالشكوي ويتباكون علي السلام البارد مع مصر لا يحجمون عن نشر مثل هذه الكتب وإنتاج الأفلام التي تمجد بطولات مخابراتهم حتي لو كانت بطولات زائفة ربما لرد الاعتبار لأنفسهم ولبث المزيد من عوامل الفرقة والجدل بيننا نحن.
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع