توقيت القاهرة المحلي 20:45:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حدث.. في مثل هذا اليوم

  مصر اليوم -

حدث في مثل هذا اليوم

بقلم : أيمن الصياد

هذا ليس مقالا في السياسة، بل «سؤال للضمير». قد يراه البعض منبت الصِّلة عن ما يعتمل في ساحة السياسة الآن، وقد يراه آخرون في القلب منه. فلم يفقد هؤلاء حيواتهم أو أعينهم أو أطرافهم، إلا من أجل يوم يتمتع فيه المصريون بدولة ديموقراطية معاصرة «يستحقونها». يومٌ لم يأتِ بعد.

   قد تملأ الأكاذيب «المضلِّلة، والمضلَّلة» الفضاء كله، لكن تبقى «الحقيقة» التي لا يجرؤ أحد على إنكارها، أن هذا شابٌ فقد كلتا عينيه

في ظل ظروف قائمة، أعرف أننا، ورغم سنوات سبع كاملة لن نعرف بالضبط «تفاصيل» ما جرى في الأيام الثمانية عشرة لثورة يناير. لا في «الميدان» وشوارعه المحيطة. ولا في شرق القاهرة، حيث «القصر» وقصور أخرى «سيادية» حاكمة. «فاللواء» سليمان ذهب إلى ربه (بصناديقه السوداء) التي كان قد أشار إليها في حواره الشهير. «والفريق» عنان ذهب إلى حيث لا نعلم، وإلى حيث يراد أن لا نعرف شيئا عما أشار إليه متحدثه الرسمي من تفاصيل ما جرى في فترة توليه المركز الثاني في «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» الذي أحيلت إليه مهمة إدارة البلاد بعد تنحي مبارك، أو سقوطه، كما ظن المتعجلون يومها.

سيظل ذلك كله ملكا للتاريخ، الذي يكتبه عادة المنتصرون، أو هكذا يتصورون. والذي شاهدنا كيف كان محل تشويه متعمد على مدى السنوات السبع الماضية.

اليوم هو الثامن والعشرون من يناير، الذكرى السابعة للجمعة «المفصلية» التي غيرت مجرى الأحداث، والتي انتقلت بمطالب الشباب الثائر من مجرد «محاسبة الداخلية على تجاوزاتها» إلى المطالبة بإسقاط النظام (لا الدولة بالمناسبة)

أكرر: لن نعرف (الآن) ما جرى بالضبط في هذا اليوم أو غيره. فالتقارير (الرسمية) للجان تقصي الحقائق، منها ما اختفى، ومنها ما لم يظهر أبدًا، ومنها ما طالت تفاصيله النسيان، أو بالأحرى التجاهل «المتعمد». وكلها غابت، لأسباب باتت مفهومة عن أوراق الدعاوى القضائية المختلفة، التي نعرف جميعًا كيف قضى فيها عندما غابت الأدلة.

لن نعرف ما جرى بالضبط. ولكننا نعرف، إن كانت مازالت لدينا أعين تبصر ما جرى لأحمد حرارة (وغيره) الذين فقدوا البصر في ذلك اليوم. وكنا قرأنا في أوراق المؤتمر الدولي الرابع لجراحات الشبكية (القاهرة ٢٠١٢)، ما قاله الجراحون من أن إصابات العيون لمصابي الثورة كانت غير مسبوقة «لأنها استهدفت العين مباشرة مما أدى إلى فقدان العديد من المصابين لأبصارهم»

***

كما كتبت قبل ذلك غير مرة قد تختفي كل التفاصيل… والتقارير «الرسمية»، وقد تختفي كلُ الأدلة، أو تُطمس، وقد تصل الملفات إلى القضاة ناقصة فيحكمون «بظاهر الأوراق»، أو فيما بين أيديهم، أو بما تقضي به (ضمائرهم). وقد نغرقُ في بحرٍ من الافتراءات والأكاذيب، وقد لا نعرفهم «فِي لَحْنِ الْقَوْلِ»، وقد نتوهُ، أو بالأحرى نتوهُ بالبسطاء من هذا الشعب في جدلٍ عقيم حول ثنائيةِ (ثورة أم مؤامرة)، أو قد نتوهُ بهم بين ما نقوله في بياناتنا «الرسمية»، احتجاجا على جون ماكين، وبين ما يفعله «رسميونا» على أرض الواقع. وما يفعله إعلاميونا «الرسميون» بأدمغة الناس. قد تملأ الأكاذيب «المضلِّلة، والمضلَّلة» الفضاء كله،؛ ما بين السماء والأرض، لكن تبقى «الحقيقة» التي لا يجرؤ أحدنا (أو أحدهم) على إنكارها، والتي سيحملها كل منا (ومنهم) على كتفيه يوم القيامة، أن هذا شابٌ فقد كلتا عينيه. إحداهما في مثل هذا اليوم: الثامن والعشرين من يناير، والأخرى في التاسع عشر من نوفمبر ٢٠١١ الذي كان في النهاية أن حوسب ضحاياه، لا جُناته. والذي، كغيره لم نعرف أبدًا حقائقه.. وخفاياه.

***

أحمد حرارة طبيب الأسنان، أو بالأحرى الذي كان طبيبا للأسنان قبل أن يفقد الإبصار (والذي لن أمل من التذكير بقصته) من مواليد فبراير ١٩٨٠، أي أنه كان في الواحد والثلاثين من العمر عندما نزل إلى الميدان مع مئات الآلاف من جيله في تلك الأيام من يناير ٢٠١١. ثم كان في ٢٨ يناير، «جمعة الغضب»، التي فقد فيها النظام أعصابه أن أصابت إحدى الرصاصات عينه اليمنى، كما تسببت إصابة أخرى في الصدر بنزيف في الرئة أدخله في غيبوبة لأيام. ولم يكن ذلك كله في المشهد الذي اتسع يومها باتساع مصر كلها أكثر من تفصيلة من تفاصيل مشابهة أكثر من أن تحصى لذلك اليوم الدامي.

«أعيش كفيفا مرفوعَ الرأس وبكرامة أفضل من أن أعيش مبصرا مكسورَ العين».. كان هذا هو التعليق الوحيد الذي سمعناه للطبيب الشاب على إصابته، ولهذا لم نستغرب أن يكون مرة أخرى، رغم الإصابة مع رفاقه من أولئك «المؤمنين بالعدل» لا غيره، دفاعًا عن أهالي الشهداء والمصابين، وعن «مدنية الدولة» في الأحداث التي تطورت وعرفت باسم أحداث محمد محمود (١٩ نوفمبر ٢٠١١) ويشاء القدر أن يفقد يومها عينَه الأخرى برصاصة «أمنية» أخرى. لتكتمل التراجيديا عندما نتذكر «شيلتوا عن عيننا الستاير»، أغنيةَ أنغام التي اختفت، والتي كانت مصرُ كلها ترددها معها أيامها احتفاءً بهؤلاء الشباب الذين غنينا لهم يومها: «واحنا ليكم مديونين».

هاهي «الستائر» قد أُسْدِّلت يا أنغام.. لـ«تَعْمَى الْقلوبُ الَّتِي فِي الصّدورِ»، فيتهمُ البعضُ «مضلِلا، أو مضلَلا» شبابَ يناير وبينهم طبيب الأسنان «الذي فقد عينيه» بالبلطجة إن لم يكن بالتخابر والمؤامرة (!)

***

لم يكن طبيب الأسنان الشاب الضحية الوحيدة لما جرى في تلك الأيام. أرجوكم عودوا إلى الوثيقة «الرسمية» الوحيدة (المنشورة) عن تلك الفترة. والتى كنت قد أشرت لها ولمثيلاتها في هذه الصفحة أكثر من مرة، من باب الإلحاح على ضرورة أخذ الخطوات الضروية نحو تطبيق تدابير «العدالة الانتقالية» الخمس، وأولها وركيزتها «إماطة اللثام عن الحقيقة. والتي تستهدف في نهاية المطاف، اتخاذ الإجراءات التي من شأنها تفادي تكرار الأسباب التي تؤدي إلى التمرد.. فالثورة.

عنوان الوثيقة: «ملخص التقرير النهائى للجنة التحقيق وتقصي الحقائق بشأن الأحداث التي واكبت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١». وهي اللجنة التي كان قد صدر بتشكيلها قرار رئيس الوزراء رقم ٢٩٤ لسنة ٢٠١١ في التاسع من فبراير ٢٠١١ فور أن أحيل أمر إدارة شئون البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. ترأس اللجنة المستشار الدكتور عادل قورة الرئيس الأسبق لمحكمة النقض، وتولى أمانتها العامة المستشار عمر مروان (وزير شئون مجلس النواب حاليا) والذي كان قد شارك في كل اللجان اللاحقة.

تم الانتهاء من التقرير وتقديمه إلى النائب العام؛ عبدالمجيد محمود وقتها (حسب ما كانت قد قررته المادة السابعة من قرار تشكيل اللجنة) في ١٤ أبريل ٢٠١١

قدمت اللجنة تقريرها بالنص التالي: «إن ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ثورة اجتماعية كاملة بمعنى الكلمة إذ شكلت حدثا فاصلا بين عهدين ونقلة كبيرة بين نظامين. وكانت هناك عوامل بمثابة الوقود الذي أشعل هذه الثورة يمكن إيجازها في: الفساد السياسي، وغياب شبه كامل للحريات العامة والأساسية، وصنع ديمقراطية ديكورية لم يتفاعل معها الشعب المصري، وغيبة العدالة الاجتماعية، وبروز الفوارق الشاسعة بين الطبقات.. وتخلي النظام السابق نهائيا عن مسئولياته السياسية والاجتماعية تجاه المواطنين، وانتشار الرشوة والمحسوبية حتى أصبحت لغة وثقافة متعارف عليها يوميا في حياة المصريين، والقمع الأمني الذي استخدمه النظام في تمرير مشاريعه وإسكات الأفواه المعارضة له، والتضليل الإعلامي وتفريغ الحقائق من مضمونها.. إلخ»

ثم يمضي التقرير «الرسمي» الذي كان قد سُلم إلى النيابة العامة في أبريل ٢٠١١ ليعرض تسلسل الأحداث فيما يلى (نصا):

ــ قرر الشباب الدعوة إلى التجمع والخروج للتعبير عن أمانيهم في التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية بشكل سلمي متحضر.

ــ وكان النداء إلى الاشتراك في مظاهرة احتجاجية يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ بميدان التحرير على شبكة المعلومات الدولية معبرا عن رغبة شعبية جارفة لم يتوقعها أكثر الداعين إلى هذه المظاهرة تفاؤلا، وكان لافتا أنها تضم جميع الطبقات والطوائف والثقافات، وانتشارها في ربوع البلاد.

ــ اتسمت هذه المظاهرات بالسلمية والإصرار على إحداث التغيير، وتواصلت عبر الأيام من ٢٥ يناير ٢٠١١ إلى أن حققت هدفها يوم ١١ فبراير ٢٠١١ بتخلي رئيس النظام عن الحكم.

ينتقل التقرير بعد ذلك مباشرة للحديث عن دور الشرطة ونظام مبارك في مواجهة المظاهرات «السلمية». ويحدد ذلك في النقاط والوقائع التالية: (وأنا هنا أنقل نصا).

ــ في يوم ٢٥ يناير ٢٠١١ سارت المظاهرات سلمية في جميع مواقع التظاهر، ولكنها قوبلت بالعنف في السويس، حيث قُتل ثلاثة وأصيب خمسة من المواطنين بإطلاق النار عليهم من قبل قوات الشرطة، فكان ذلك بمثابة وقود تأجيج الثورة. (الصفحة ٤ من التقرير).

ــ استمرت المظاهرات في اليومين التاليين ٢٦ و٢٧ يناير رغم محاولات تفريقها من الشرطة.

ــ كان يوم الجمعة ٢٨ يناير «جمعة الغضب» يوما فارقا في تاريخ مصر بعد أن احتشد المتظاهرون في إصرار على تغيير النظام، قابله عنف غير مسبوق من الشرطة، فسقط المئات من الشهداء، وأصيب الآلاف في جميع الأنحاء، وانسحبت الشرطة عصر ذلك اليوم أمام الإصرار الشعبي، ونزلت القوات المسلحة إلى الشارع، وفرضت حظر التجول بعد أن تمت عمليات حرق ونهب وتخريب للممتلكات العامة والخاصة.

ــ تواصلت المظاهرات أيام ٢٩ و٣٠ و٣١ يناير وظهر الانفلات الأمني بصورة أوضح وعلى مدى أوسع.

ــ في يوم ١ فبراير ظهرت دعوات لتأييد الرئيس مقابل المظاهرات التي تطالب برحيله.

ــ شهد يوم الأربعاء ٢ فبراير ٢٠١١ اعتداء مناصري الرئيس على معارضيه باستخدام الجمال والجياد وبعض الأسلحة البيضاء فيما عرف إعلاميا بموقعة الجمل فوقع العديد من الضحايا والمصابين، وكان لهذا الاعتداء نتيجة سلبية على دعم الرئيس، بينما زاد المناهضون له قوة وإصرارا على تحقيق هدفهم. (يحدد التقرير في الصفحات من ١٤ إلى ١٧ مسئولية اعتداءات «الأربعاء الدامي» كما يسميه في قيادات الحزب الوطني، وعناصر من الشرطة السرية، ورجال الإدارة المحلية..).

انتهى النص (الرسمي). ولمن شاء الاستزادة أن يعود إلى كامل التقرير (المنشور)، أما من يبحث عن العدالة، فبوسعه أن يعود إلى بقية تقارير تقصي الحقائق «الرسمية» ذات الصلة، (إن استطاع لذلك سبيلا).

ربما كان مهما أن نؤكد أن هذه ليست دعوة للانتقام من هذا أو ذاك، أو لتوجيه اتهام «على المشاع» يطول الجميع. فنحن دوما نتحدث عن عدالة انتقالية «لا انتقامية»، رغم أن هناك، للأسف من أراد لها أن تكون، ما لا ينبغي لها أبدا أن تكونه … «انتقائية».

نقلا عن الشروق القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حدث في مثل هذا اليوم حدث في مثل هذا اليوم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon