بقلم : أحمد عبدربه
كأمور كثيرة فى حياتنا، تختلط مفاهيم العلاقة بين الرجل والمرأة فى مصر والعالم العربى، وخصوصا تلك المتعلقة بالعلاقات الزوجية وواجبات ومسئوليات الرجل والمرأة داخل هذه العلاقات. أخيرا خرج علينا عدة خطابات تتحدث عن أن المرأة فى العلاقة الزوجية غير ملزمة بالرضاعة وأنها غير ملزمة بأعباء المنزل، وأن الزوج ملزم بأن يأجرها على عملية الرضاعة كما أنه ملزم أن يأتى لها بخادمة لتقوم بدلا منها بمسئوليات المنزل!
فى مقابل هذا الخطاب، نعرف خطابات أخرى كثيرة هيمنت وما زالت على ثقافتنا ترى أن الزوجة ليس لها سوى زوجها وأولادها وبيتها الذى هو أولى بها من أن تخرج إلى العمل! والحقيقة أن هذه الخطابات سواء تلك المهيمنة أو تلك الدفاعية التى تحاول وصف نفسها بالتقدمية أو التنويرية هى خطابات شديدة التطرف الفكرى فضلا عن سطحيتها وطبقيتها وتضليلها لأطراف العلاقة الزوجية فى بلادنا. فلا يخفى على أحد أن تلك العلاقات الزوجية أصبحت كثيرة المشكلات فى حياتنا المعاصرة وينعكس ذلك فى توقعات الأطراف من بعضها البعض وبالتالى الكثير من المشكلات سواء فى مرحلة الخطوبة مرورا بالزواج والطلاق وما بعد الطلاق! هذه المشكلات يدفع ثمنها بالأساس أطفال لا ذنب لهم فى الحياة، وهؤلاء الأطفال بدورهم حينما يكبرون ويأتى دورهم فى الحياة ليكونوا أزواجا وزوجات فإنهم وللأسف سيكون لديهم مفاهيم مشوهة عن العلاقة ويأتون بدورهم بأجيال جديدة تدفع الثمن وهكذا!
والحقيقة أن كلا الخطابين رغم اختلاف المحتوى يستخدمان «الشرع» فى تبرير موقفهما وتمرير رسالتهما، والمشترك بين هذه الخطابات هو التطرف الفكرى وعدم فهم العلاقة الزوجية باعتبارها علاقة شراكة بين أطراف عاقلة وقادرة على اتخاذ القرار. فبدلا من ذلك تعتبر هذه الخطابات أن الزواج هو علاقة احتكارية، فإما أن يحتكر الزوج جسد زوجته وعملها وطموحاتها ومستقبلها فيكون هو الآمر الناهى فى كل أمورها، وإما أن يكون الزوج خاضعا لزوجته فيكون هو وكل ما يملك لها ولرغباتها دون أن يترتب عليها أى مسئوليات فى تلك العلاقة!
• • •
خطاب عدم إلزام الزوجة بالرضاعة ولا بأمور المنزل وبضرورة حصول الزوجة على «خادمة» وأن أى عمل منزلى لها هو تفضل على الزوج، يعتقد البعض أنه خطاب «مساواة» بين الرجل والمرأة ويحيله البعض إلى الغرب معتقدين بتحضره وانتصاره للمرأة، والحقيقة أن ذلك بعيد كل البعد عن الحقيقة! فهذا الخطاب هو باختصار خطاب سطحى واستغلالى واستعلائى وطبقى، وربما نسى أن هذه الخادمة التى سيأتى بها الزوج للزوجة هى فى النهاية امرأة وقد تكون أيضا زوجة، فأين حقوقها إذا؟
العلاقات الزوجية فى الأغلب الأعم فى المجتمعات الغربية هى علاقات مساواة تامة بين أطرافها، وهى بالأساس علاقة تعاقدية بالمعنى القانونى، بمعنى أن أطراف العلاقة يتفقون على عقد يوثق أمام الدولة ويضعون فيه اتفاقاتهم على الورق. وقطعا لابد لهذه الاتفاقات ألا تكون مذعنة لأحد الأطراف أو مستغلة له، وإلا فلن يقبل العقد أصلا أمام المحكمة الموثقة له. والذمم المالية لأطراف هذا العقد لابد أيضا أن تكون معرفة بوضوح قبل بداية العلاقة ولا يوجد استقلال تام لذمة أحد الأطراف إلا فى إطار الحماية من الاستغلال والغبن. وهنا لا يوجد فرق بين الذمم المالية للرجل والمرأة، فلا يوجد ما يسمى استقلال الذمة المالية للمرأة تماما فى العلاقة الزوجية، لأن الزوج لا يشترى جارية ولا تشترى الزوجة عبدا، ولكنه زواج بين أطراف متساوين فى الحقوق والالتزامات!
أما بعيدا عن العقد القانونى، فالأعراف فى المجتمعات الغربية تقضى أيضا بالمساواة فى كل مراحل العلاقة منذ لحظة المواعدة وحتى لحظة الزواج بما فيها مرحلة رعاية الأطفال والقيام بأعباء المنزل! فعادة ما يكون إعداد منزل الزوجية بالتساوى بين الأطراف ودفع الإيجار أو قسط المنزل بالتساوى أو بقدر ما يتحمل دخل كل طرف بما فيه احتمالية إسهام الزوجة بالقدر الأكبر من القسط الشهرى إذا ما كان دخلها أعلى والعكس صحيح!
أما مراحل الحمل والرضاعة وتربية الأبناء وبالتوازى القيام بأعباء المنزل فلا يوجد إلزامات لا للزوجة ولا للزوج، ولكن يوجد اتفاق وتقاسم للمسئوليات بحسب ظروف كل طرف! فلا يعطى الزوج زوجته بدل رضاعة، ولا تقرر الزوجة عدم رضاعة أطفالها إلا لو هناك أسباب صحية أو نفسية تمنعها من ذلك! وفى مقابل هذا قد يقوم الزوج بأعمال تنظيف المنزل والطهى، بل وفى الكثير من الحالات يحصل الزوج كما الزوجة على إجازة وضع لمعاونة زوجته فى القيام بهذه الأعباء، وإذا سمح دخل الطرفين فقد يقومان بالاستعانة بمربية أو بجليسة أطفال لبعض الوقت! وفى ظروف أخرى فإن الزوج قد يقرر الحصول على إجازة طويلة من العمل لرعاية الأطفال مقابل أن تقوم الزوجة بالعمل وتكون مصدر الدخل لفترة زمنية متفق عليها وذلك لتعويض ما قد يكون فاتها من ترقيات فى العمل أثناء الحمل والولادة والرضاعة وغير ذلك!
وفى حالة الطلاق، فليس صحيحا ما يشاع بين البعض فى عالمنا العربى من أن الزوجة تحصل على نصف ثروة الرجل، لأنه لو حدث ذلك دون ضوابط فهذا معناه استغلال وقطعا لا ترضى القوانين بهذا، ولكن ما يحدث أنه يتم توزيع الممتلكات والثروات وفقا لقاعدتين، الأولى هى إجمالى الدخل والممتلكات التى دخل بها كل طرف العلاقة منذ البداية، والثانية هو مدى إسهام كل طرف فى العلاقة الزوجية سواء من وقت أو جهد أو مال، وكذلك المدة التى استمرت فيها العلاقة، ومن هنا فقد يخرج كل طرف كما دخل دون تقاسم، وقد يتقاسم الطرفان الثروة التى حققوها معا أثناء العلاقة، وقد تحدد نسب مختلفة لهذه القسمة بما فيها احتمال أن يحصل الزوج على جزء من ثروة طليقته أو العكس!
قطعا لا يعنى هذا أنه ليس هناك استثناءات، ولا يعنى هذا أن النظام الغربى مثالى بلا أخطاء أو مثالب، كما أنه من المفهوم أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية فى الدول الغربية مختلفة عن دولنا، وبالتالى فأنا لا أدعو بالضرورة لتطبيق ذلك النظام حرفيا، ولكنى أحاول تصحيح الفهم الخاطئ لفكرة الحقوق والحريات والالتزامات الخاصة بالزوج والزوجة فى الغرب مقارنة بما يحدث لدينا!
ومن هنا، فإذا أردنا علاقات صحية غير استغلالية بين الأزواج والزوجات، فلابد من إعادة صياغة قوانين الأحوال الشخصية بشكل يضمن حقوق كل طرف، ولابد من تغير مفردات الخطاب الدينى سواء تلك التى تتحدث عن الاستقلال التام لذمة المرأة وكأنها ليست طرفا فى العلاقة أو تلك التى تدعى التقدمية وتروج لفكرة حصول الزوجة على أجر مقابل ما تقوم به من أعمال منزلية! أو الأخرى التى تروج لفكرة أن المرأة ليس لها إلا منزلها وزوجها!
والأهم من كل ذلك، هو أن يقتنع الأزواج والزوجات أن الأصل فى العلاقة الزوجية هو ما يتفقون عليه فى إطار المحبة والمودة والشراكة والرغبة الصادقة فى إقامة حياة أسرية مستقرة، لا فى إطار الاستغلال أو الاستعلاء أو الاحتكار من قبل أحد الأطراف تجاه الآخر!
أستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر