توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

على هامش ظاهرة التحرش.. مدخل للنقاش والفهم!

  مصر اليوم -

على هامش ظاهرة التحرش مدخل للنقاش والفهم

بقلم - أحمد عبدربه

خلال الأيام القليلة الماضية اشتعل الحديث بين الأصدقاء والمعارف سواء على مواقع التواصل الاجتماعى أو فى الأحاديث الودية المباشرة حول ظاهرة التحرش وأسبابها ومن يلام بسببها، والأهم من يقدر على تعريف معناها وما إذا كانت قد وقعت بالفعل أم لا!

بالرغم من حدة الحديث المصرى فإنه ليس فريدا، فالموضوع يناقش بنفس الحدة والسخونة فى المجتمعات الغربية رغم ما حققته الأخيرة من تقدم ملحوظ فى قضية المساواة بين الجنسين ورغم أفضلية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحريات العامة (ومن ضمنها الحريات الجنسية) عن مجتمعاتنا العربية.

انفجر الحديث المصرى مؤخرا بسبب مقطع فيديو شهير نشرته إحدى الفتيات تشكو من تحرش أحدهم يظهر فى المقطع وهو يعرض عليها شرب القهوة فى المكان المجاور فرفضت الفتاة وانصرف الشاب، ما دفع البعض للقول إن الشاب برىء ولم يتحرش وأن الفتاة تبحث عن الشهرة فاشتعل الحوار ومعه أصبح الشاب من المشاهير المحتفى بهم بينما تعرضت الفتاة للوم وطالتها الاتهامات والتعليقات التى طعنت فيها بخصوص طريقة لبسها و«ستايل» حياتها المتحرر!

حسنًا فعل المجلس القومى للمرأة بإعلانه مساندة الفتاة قانونيا فى مواجهة ما تردد عن عزم الشاب مقاضاتها بتهمة التشهير! وحسنا فعل الأزهر الشريف ببيان خلا من الإدانة المشروطة للتحرش وتبنى إدانة مطلقة وصريحة لأفعال التحرش جميعا رافضا بصراحة اعتبار أن لبس الفتاة هو السبب، لكن ورغم هذه المساندات لم تنته القضية ولا يبدو أنها ستنتهى قريبا! منذ يومين فقط نشرت إحدى طالباتى صورة لها بعد أن تم التحرش بها فى الشارع حينما ترجلت من أتوبيس عام قاصدة أحد «المولات» بشرق القاهرة واستغرق الطريق دقيقتين فقط حينما قام أحدهم بالبصق عليها! وبقدر ما ساندها البعض، قام آخرون بمهاجمتها بضراوة داعمين فعل البصق بل وموجهين اللوم للفتاة وأهلها تحت دعوى أن لبسها هو السبب ما اضطر الفتاة إلى إغلاق التعليقات لإيقاف هذا الهجوم!

***
الحديث التقليدى عن أسباب التحرش من جانب التيار المحافظ فى المجتمع يحمل الفتاة بالأساس المسئولية ويرى أن زيها هو السبب الرئيسى للتحرش تحت دعوى أن زى الفتاة هو دعوة مبطنة للذكر من أجل الاقتراب، بينما يذهب البعض إلى تحميل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى تمر بها البلاد المسئولية عما يحدث كون أن هذه الظروف أخرت سن الزواج، ما يتسبب فى كبت الرغبات الجنسية ومن ثم يحدث الانفجار فى شكل تحرشات فردية أو جماعية. بينما ترى تيارات أخرى أن غياب الثقافة الجنسية وعدم إباحة الحريات الجنسية هى السبب الرئيسى للتحرش داعين إلى إطلاق الحريات الجنسية كسبيل لحل المشكلة!

والحقيقة أن الموضوع أكثر تعقيدا من كل هذه الأسباب، فالفتيات المحجبات يشتكين من التحرش، والكثير من أبناء الطبقة الوسطى يتورطون فى قضايا تحرش، فضلا عن أن بعض المتزوجين أيضا يفعلون الشيء نفسه، كما أن البلاد التى تتيح الحريات الجنسية لديها الظاهرة نفسها ولعل حملة «أنا أيضاــ Me Too» قد كشفت عن حجم المشكلة فى المجتمعات الغربية.

ومع اعترافى أن المشكلة أصبحت أكثر تعقيدا من تفسيرها بسبب واحد إلا أنى أضع هنا إطارا قد يمهد لفهم الظاهرة فى مصر وفتح حوار هادئ بشأنها:

المحور الأول لهذا الإطار هو محور الثقافة الذكورية التى هيمنت على الفهم العام فى مصر حتى وقت قريب وقد غذتها بعض التيارات الدينية المتعصبة والتى روجت وبشدة لانسحاب السيدات من المجال العام باحثة عن تفسيرات شرعية لهذا التوجه، حتى أنه وقر فى أذهان الكثيرين من أبناء الشعب أن السيدة ليس لها إلا بيتها، وتم الترويج للنقاب باعتباره فرضا، وتعرضت فيه السافرات للوصم بالتهافت الأخلاقى، ما ساهم فى خلق ثقافة شعبية مهيمنة لا ترى المرأة إلا باعتبارها مفعولا به، مجرد أداة جنسية للتناسل بلا هوية أو شخصية مستقلة. هذه الثقافة الذكورية قامت أيضا بابتزازات لا حصر لها للذكور لقهر نسائهن وإلا تم وصمهم بالدياثة وهو ما شكل ضغطا إضافيا على السيدات والبنات فى مصر وجعلهن فى مواجهة مستمرة مع المجتمع ومع أسرهن.

المحور الثانى يتمثل فى حالة تواطؤ مجتمعى تنتصر للجانى على حساب الضحية وهو جزء من ثقافة تكونت عبر العقود القليلة الماضية تنحاز للأقوى على حساب الأضعف، وهذه الحالة ساهمت فيها النظم المتعاقبة على حكم مصر بضعف ما وفرته من أدوات تشريعية وتنفيذية لحماية الضحايا الأضعف عموما والفتيات المتحرش بهن خصوصا، فهناك شهادات متواترة عن ضغوط تتعرض لها الضحية فى بعض أقسام الشرطة أو من المارة فى شارع أو وسيلة مواصلات كانت مسرحا لحادثة تحرش أو حتى من الأسرة نفسها تحت دعاوى الخوف من الفضيحة أو الشوشرة أو تجنب المشكلات! هذا التواطؤ لم ينصف المرأة أيضا فى قضايا أخرى مثل الميراث (تحرم منه سيدات كثر فى الصعيد مثلا) وقضايا النفقة والزواج والطلاق وغيرها.

أما المحور الثالث والأخير فى إطار فهم تعقيد هذه المشكلة فيتمثل فى تعالى بعض الأصوات النسوية شديدة العنف والتعصب والتى قامت بصنع خطاب نسوى يتسم فى رأيى بالعنف والتشنج اللفظى ما يستحيل معه إقامة حوار هادئ للفهم وتبادل الآراء ويحول القضايا النسوية إلى قضايا ممنوع الاقتراب منها أو مناقشتها، وهو ثانيا خطاب معمم يتعامل مع الرجال على أنهم كائن موحد الصفات والرغبات والدوافع وأن هذا الكائن بالضرورة يسعى إلى السيطرة أو الهيمنة دون تمييز التباين النفسى والعقلى والمعرفى داخل نفس النوع الذكر مثل الأنثى، وهو ثالثا خطاب لا يسعى إلى المساواة ولكنه يسعى إلى الهيمنة النسوية بنفس المنطق الذكورى ما أنتج علاقات مشوهة بين الرجال والنساء فى مجتمعاتنا يعتبر العلاقة بين الاثنين هى حلبة للتصارع والمغالبة وإثبات القوة ما ساهم فى جعل العلاقة وكأنها معركة صفرية خسر فيها الجميع!
***
هذه المحاور الثلاث تصلح فى رأيى كمدخل للنقاش والفهم الهادئ لهذه المشكلة، كيف يمكن الدفاع عن حقوق المرأة ووضعها فى المجتمع دون تشويه الرجل بالضرورة والانتقاص منه وتحديه وكأنها معركة من كاسب وخاسر وليست علاقة بين شريكين؟ كيف يمكن استكمال البنية التشريعية لحماية حقوق المرأة وعلى رأس هذه الحقوق حريتها فى الملبس وفى الظهور الحر الآمن فى المجال العام ونضمن التزام المجتمع والمؤسسات التنفيذية وعدم تواطؤها مع المتحرشين قولا أو لفظا أو تجاهلا، وهل يمكن اعتبار بيان الأزهر الأخير بداية لتغير خطاب دينى حقيقى ينتصر لحقوق المرأة ويحميها بحق؟ نحتاج لحوار جاد حول الظاهرة وأتصور أن هذا مجرد مدخل أولى للمناقشة.

نقلا عن الشروق القاهريه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على هامش ظاهرة التحرش مدخل للنقاش والفهم على هامش ظاهرة التحرش مدخل للنقاش والفهم



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon