بقلم : عطيــة عيســوى
فى السنوات الأخيرة تقدمت إفريقيا خطوات واسعة نحو الحكم الديمقراطى فى دول عديدة أجرت انتخابات انتهت أحيانا بهزيمة مرشحين موجودين فى السلطة بالفعل لكن الديمقراطية لم تعرف طريقها بعد إلى دول أخرى كثيرة بل تراجعت فى أخرى كانت قد بدأت تخطو على طريقها بسبب تعلق بعض الحكام بكرسى السلطة.فبينما يُحسب للبعض عدم السعى لتزوير نتائج الانتخابات والالتزام بما اختاره الناخبون عدّل آخرون الدساتير ليرشحوا أنفسهم لدورة خامسة أو سادسة وتراجع البعض عن وعودهم بعدم الترشح مرة أخري.
رئيس مالى أبو بكر كيتا من القلائل الذين لم يزوِّروا نتائج الانتخابات ولم يحشد إمكانات الدولة وأجهزتها ليفوز من الجولة الأولي، حيث حصل على نحو 41% فقط من الأصوات ودخل جولة ثانية ضد سومايلا سيسى مرشح المعارضة وفاز بنحو 67%،ولم يقلل من قدره اتهامات المعارضة لحكومته بالتزوير، لأن المحكمة الدستورية رفضت طعون مرشحيها قائلةً إن المخالفات لا تؤثر على النتيجة.وعما ينتظره الشعب الذى يعانى أكثر من نصفه الفقر من تحسن فى أحوال معيشته واستعادة الأمن والاستقرار، فمن المرجح ألاَّ يتحقق له الكثير، لأن الحرب على الإرهاب تستنزف إمكانات الدولة الشحيحة وعادت الجماعات الإرهابية تضرب بشدة بعد تخليص شمال البلاد من براثنها عام 2013 وامتدت ضرباتها التى تضاعفت ثلاث مرات إلى وسط الدولة وجنوبها ولايزال اتفاق السلام الذى أبرمته الحكومة مع جماعات متمردة يقودها الطوارق خارج نطاق التنفيذ لرفض جماعات متمردة أخرى التوقيع عليه، لأنه لم يلبِ بعض مطالبها التى ترى الحكومة أنها تشكل خطرا على وحدة أراضى الدولة.
ومن الأخبار الشحيحة الباعثة على التفاؤل أيضا إعلان جوزيف كابيلا رئيس الكونغو-كينشاسا عدم الترشح لانتخابات 23 ديسمبر المقبل، منهيا بذلك تكهنات قوية بأنه سيسعى للبقاء فى الحكم لفترة ثالثة بالمخالفة للدستور رغم أحداث العنف والاحتجاجات التى راح ضحيتها العشرات والإدانات الدولية.ورغم أن الحزب الحاكم رشح نائبه السابق المتهم بقمع قادة وأنصار المعارضة واعتقال النشطاء عندما كان وزيرا للداخلية، مما يوحى باستمرار سياسته إلاّ أن مجرد تنحى كابيلا الذى خلف والده منذ 17 عاما يمثل بارقة أمل لحدوث تغيير كما حدث فى أنجولا عندما تنحى الرئيس دوسانتوس ورشح وزير دفاعه ليضمن استمرار سياسته وامتيازات أسرته لكنه انقلب عليه وأقال ابنته وابنه من منصبيهما وسمح بالتحقيق فى وقائع الفساد خلال فترة حكمه الطويلة.كما أعلن رئيس بوروندى بيير نكورينزيزا أنه لن يرشح نفسه بعد انتهاء فترة حكمه عام 2020 بعد أن أثار تعديله الدستور شكوكا قوية بأن الهدف منه هو أن يبقى فى السلطة حتى عام 2034 إذا رشح نفسه لفترتين جديدتين بحجة عدم سريانه بأثر رجعي.وكان ترشحه لفترة ثالثة غير دستورية عام 2015 قد أشعل احتجاجات وأحداث عنف ومحاولة انقلاب وأزمة سياسية راح ضحيتها مئات القتلى و400 ألف مشرد.ويبقى الأمل ألاَّ يتراجع هو وكابيلا عما أعلناه امتثالا لرغبة الشعب المزعومة.
أما الأخبار غير السارة للذين ينشدون حكما ديمقراطيا فمنها إعلان بول بيا رئيس الكاميرون الذى يحكم منذ 1982 أنه سيرشح نفسه لانتخابات أكتوبر المقبل قائلا إنه يرغب فى تلبية مطالب شعبه الكاسحة بالترشح، وإذا فعل سيمتد بقاؤه فى السلطة إلى 35 عاما رغم تقدمه فى العمر(85 سنة).وكان قد ألغى عام 2008 القيود على الترشح وأتاح لنفسه دخول انتخابات 2011 رغم كل الانتقادات والمطالب بمنح الفرصة لقيادة جديدة لعلها تستطيع إنقاذ عامة الشعب من الفقر وتدنى مستوى المعيشة والخدمات، كما يواجه الآن دعوات انفصالية متصاعدة فى الإقليمين الناطقين بالإنجليزية فى غرب البلاد.وفى أوغندا فتحت المحكمة الدستورية الطريق أمام يورى موسيفينى البالغ من العمر 73 سنة ويحكم منذ 1986 للترشح لفترة سادسة عام 2021 بتأييدها التعديل الذى أجراه البرلمان على الدستور بإلغاء شرط ألاَّ يتجاوز سن المرشح 75 سنة بعد أن كان قد ألغى عام 2005 تحديد مدة الرئاسة بفترتين فقط كل منهما خمس سنوات.
ولا يختلف الأمر كثيرا فى تشاد، حيث أقر البرلمان تعديلا دستوريا يوسع سلطات الرئيس بإلغاء منصب رئيس الوزراء ويمد فترة الحكم الواحدة إلى ست سنوات ويسمح لإدريس ديبى بالبقاء فى السلطة حتى عام 2033، فبالرغم من أنه حدد مدة الحكم بفترتين فقط إلاَّ أن عدم تطبيقه بأثر رجعى سيمكن ديبى من الترشح مرتين إذا أراد بدءا من انتخابات 2021. أما فى السودان فلانعرف بعد ما إذا كان الرئيس عمر البشير سيستجيب لقرار حزب المؤتمر الحاكم بترشيحه لانتخابات 2020، فقد أثار القرار انتقادات المعارضة التى وصفته بأنه غير دستورى ويحتاج إلى تعديل دستور 2005 الذى ينص على فترتين رئاسيتين فقط فاز بهما بالفعل عامى 2010 و2015 ودعت لمقاطعة الانتخابات.كما أن البشير الذى يحكم منذ 1989 ويبلغ من العمر 74 سنة سبق أن أعلن أنه لن يرشح نفسه لفترة ثالثة.وفى جزر القمر تم تعديل الدستور لإلغاء مبدأ تداول الرئاسة بين الجزر الرئيسية الثلاث، مما أتاح الفرصة للرئيس عزالى أسومانى للبقاء فى الحكم عشر سنوات أخري.وكان الهدف من تداول السلطة الحفاظ على وحدة البلاد وعدم إعطاء ذريعة لساسة أى جزيرة للاحتجاج والتحريض على الانفصال وما قد يترتب عليه من حرب أهلية وتخريب الاقتصاد القائم أساسا على السياحة.
نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع