بقلم : عطيــة عيســوى
قبل الانفصال عام 2011 عاني أبناء جنوب السودان ويلات الحرب الأهلية لنحو 40 عاما قُتل فيها مئات الآلاف،وبعده لم تصمت أصوات البنادق سوي نحو سنتين وعادت تدوي من جديد ليس لأجل الاستقلال عمَّن اتهموهم بتهميشهم وسلب حقوقهم من أبناء الشمال وإنما لسعي كثير من قياداتهم للإستحواذ علي أكبر قدر من السلطة والثروة لهم ولقبائلهم وانتفاضة بعضهم الآخر للدفاع عن حقوقهم في مواجهتهم ببلد يعج بنحو 57 مجموعة عرقية.وفشلت كل الجهود في التوصل لاتفاق سلام دائم يُنهي تلك المعاناة التي تشير كل المؤشرات إلي أنها لن تنتهي في المستقبل القريب رغم تحذير الأمم المتحدة من أن البلد سيشهد أسوأ أزمة لاجئين منذ أزمة رواندا عام 1994 مع ارتفاع عدد اللاجئين إلي نحو ثلاثة ملايين بحلول نهاية العام.
فللمرة الثالثة أرجأت منظمة (إيقاد) إلي 17 مايو جولة المباحثات الثالثة التي كان من المفترض التوصل خلالها إلي اتفاق سلام شامل يتضمن وقفاً دائما لإطلاق النار واقتسام السلطة خلال الفترة الإنتقالية وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قائلةً إن فجوة واسعة بين مواقف أطراف الصراع مازالت قائمة وتحتاج إلي تقريب وتضييق.وكان أطراف الصراع قد وقعوا في الجولة الأولي في ديسمبر 2017 اتفاقا لوقف الأعمال العدائية وحماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلي المحتاجين إليها ولكن تم انتهاكه مرات عديدة وتبادلوا الإتهامات بذلك.وفي فبراير انتهت الجولة الثانية بالتوصل إلي إعلان مباديء والاتفاق حول الترتيبات الأمنية والمشاركة في السلطة ووقَّع عليه فصيل رياك مشار المتمرد وفصيل مَن يُسمَّون بالمعتقلين السابقين وتحالف الهيئة القومية لدعم السلام المكون من تسع حركات مسلحة وسياسية لكن حكومة سيلفا كير رفضته بدعوي أنه ينص علي معاقبة أي طرف ينتهك اتفاق السلام.
ويبدو أن حظ الجولة الثالثة من النجاح محل شك كبير،إن عُقدت أصلا،حيث تتهم الحكومة فصائل المعارضة بعرقلة العملية السياسية والإدارة الأمريكية بتشجيعهم علي ذلك لفرضها عقوبات وممارسة ضغوط عليها وبأنها تلعب علي عامل الوقت حتي تنتهي في أغسطس المقبل الفترة الإنتقالية التي نص عليها اتفاق سلام 2015 لترفض التوقيع علي اتفاق سلام شامل بدعوي أن الحكومة ستكون قد فقدت شرعيتها،كما هددت بأن خياراتها مفتوحة إذا لم يتم التوصل لاتفاق قبل نهاية أغسطس.أما المعارضة فاتهمت الحكومة بإعاقة إبرام اتفاق سلام برفضها التوقيع علي إعلان المباديء ووضعها شروطا لإشراك مشار قائد أهم فصيل مسلح معارض وبول مالونق رئيس أركان الجيش المقال الذي شكَّل حركة تمرد مسلحة جديدة في المباحثات إلاَّ إذا أعلنا نبذهما العنف وبإقالة الرئيس لدينق ألور وزير الخارجية المنتمي لمجموعة المعتقلين السابقين بعد أن أعلن أن عودته إلي جوبا من إثيوبيا مرهونة بتوقيع اتفاق سلام نهائي بينما قال متحدث رئاسي إن إقالته سببها تحريضه قوي دولية علي فرض عقوبات علي مسئولين كبار في الحكومة.كما قال هنري أودوار نائب قائد المعارضة المسلحة إن الحكومة فقدت الشرعية منذ انهيار اتفاقية سلام يوليو 2016 ووصف مالونق الذي أُقيل في مايو الماضي ما يجري بأنه مذبحة حلت ببلاده واتهم الرئيس بإقامة دولة يكون فيها الإفلات من العقاب هو النظام والحكومة بمحاباة الأقارب ونهب موارد البلاد.كل ذلك يؤكد أن الرئيس يحارب علي عدة جبهات وهذا يعمق انعدام الثقة المتبادل ويشكك في الرغبة في السلام ويطيل أمد الأزمة.
لقد نفد صبر المجتمع الدولي الذي أعرب الكثير من شخصياته عن استيائهم مما وصفوه بعدم جدية القادة الجنوبيين خاصةً الرئيس في السعي لإحلال السلام وفرضت دول مثل الولايات المتحدة عقوبات عليهم في الوقت الذي أعلنت (إيقاد) تأجيل جولة المفاوضات دون أن تُخطر الحكومة تعبيرا عن امتعاضها مما يحدث في الوقت الذي أعربت فيه المعارضة عن شكوكها في إمكانية إجراء انتخابات خلال شهرين حسبما يقضي اتفاق سلام أغسطس 2015 بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قبل 60 يوما من نهاية الفترة الإنتقالية البالغة 36 شهرا في أغسطس.وبالرغم من إعلان(إيقاد)عن التأجيل لما وصفته بالحاجة لتحركات دبلوماسية مكوكية لدفع المحادثات وإحداث اختراقات بين الفصائل المتصارعة وتعهد الرئيس بحل خلافاته مع معارضيه لإحلال السلام إلاَّ أن الواقع ينبيء بأن الجولة الثالثة لن يُكتب لها النجاح بسبب عمق الخلافات وعدم توقيع الحكومة علي إعلان المباديء الذي توصلوا إليه في الجولة الثانية ولعدم كفاية الضغوط الدولية والإقليمية لتحقيق الإختراق المأمول .
مؤخرا حددت لجنة تابعة للأمم المتحدة متخصصة في حقوق الإنسان أسماء 41 مسئولا من بينهم 33 جنرالا وخمسة ضباط برتبة عقيد وثلاثة حكام ولايات مشتبه في ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من بينها الإغتصاب والقتل علي أسس عرقية بين يوليو وديسمبر 2017 ووجهت اتهامات للقوات الحكومية والمتمردين بأن لديها أدلة كافية علي استهداف المدنيين علي أساس عرقي بأيدي مسلحين اقتلعوا عيون ضحاياهم وقطَّعوا أوصالهم.فهل تنجح هذه التحذيرات في الدفع نحو السلام أم تبعدنا عنه أكثر؟.
نقلا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع