بقلم : عطيــة عيســوى
لكثرة توقيع الاتفاقيات ثم انتهاكها أو انهيارها برمتها لا نستطيع التغلب على شكوكنا فى أن اتفاق سلام جنوب السودان المقرر توقيعه اليوم بالعاصمة السودانية الخرطوم سيتم الالتزام بتنفيذه وسط انعدام ثقة متبادل بين أطراف الصراع وبقاء بعض القضايا المختلف عليها دون حل وشعور قوى بأنه تم إبرامه تحت ضغوط إقليمية وإكراه دولي،هذا إن تم التوقيع أصلا كما هو مقرر.فقد قال محللون إنه لم يعالج جذور الأزمة ووصفه مراقبون بأنه وصفة حرب أكثر منه اتفاقا يجلب السلام وتوقعوا ألاَّ يصمد طويلا.وإذا وقع المحظور فلا أمل لأربعة ملايين مشرد فى الداخل ونحو مليونى لاجئ بدول الجوار فى العودة قريبا إلى ديارهم أو أن يعرف أكثر من سبعة ملايين من أين ستأتى وجبة الطعام المقبلة وسط تعثر عمليات المساعدة الإنسانية بسبب العراقيل التى تضعها قوات الحكومة واندلاع القتال من وقت لآخر.
الأمل المشوب بالحذر فى توقف الحرب وإحلال السلام،حتى ولو كان هشا،مبنى على توقيع الحكومة ومعظم أطياف المعارضة فى الخامس والعشرين من يوليو الماضى اتفاقا مبدئيا لتقاسم السلطة ينص على تشكيل حكومة انتقالية بقيادة الرئيس سيلفا كير تقود البلاد لمدة ثلاث سنوات تنتهى بانتخابات رئاسية وبرلمانية وعلى إعادة الزعيم المعارض رياك مشار نائبا أول للرئيس ومعه أربعة نواب يمثلون قوى المعارضة وتقسيم المناصب الوزارية بواقع 20 لمجموعة كير وتسعة لفصيل مشار المسلح والباقى للقوى السياسية الأخرى وتوزيع مقاعد البرلمان بواقع 332 للحكومة و128 لجماعة مشار و50 لأحزاب المعارضة السياسية و40 للقوى الأخري.وسبق أن وقع الطرفان اتفاقا دائما لوقف إطلاق النار وأتبعاه باتفاق لسحب القوات من المدن وحدد اتفاق الترتيبات الأمنية ثمانية أشهر لتشكيل جيش وطنى وتجميع القوات ودمج بعضها وتسريح البعض.وأكد سيلفا كير أنه تم التوصل مع فصائل المعارضة السلمية والمسلحة إلى تفاهمات حول معظم القضايا محل الخلاف ومازالت هناك بعض المسائل المعلقة ولكنها قليلة ويمكن تجاوزها.
لكن عوامل متعددة تثير المخاوف من احتمال أن يلقى الاتفاق الذى وصفه وزير خارجية السودان الدرديرى محمد أحمد بالتاريخى مصير اتفاق سلام 2015 الذى انهار بعد توقيعه بشهور قليلة من بينها أن بعض فصائل المعارضة رفضت التوقيع عليه من حيث المبدأ ولم يتضح بعد ما إذا كانت جهود إقناعها بالتوقيع قد نجحت فى وقت لاحق أم لا،ولم يتم الإتفاق حول تقسيم السلطة فى الولايات التى قسمتها الحكومة على أساس عرقى من عشرِ إلى 32 وهو ما رفضته المعارضة،ولم يتضمن اتفاق الترتيبات الأمنية نصوصا قاطعة بشأن إخلاء المدن من القوات حيث توجد فى العاصمة جوبا مثلا ثكنات عسكرية حكومية ومن المنتظر أن يعود إليها مشار مع عدد كبير من مسلحيه وسط مخاوف من المدنيين بتكرار معارك 2016 بينهما عندما اتهمه كير بتدبير محاولة انقلاب عليه.كما اتهم كل من الطرفين الآخر بانتهاك أحدث اتفاق لوقف إطلاق النار ولم يحدث إطلاق سراح الأسرى كما نص الاتفاق الدائم وأعلنت جبهة جنوب السودان المتحدة المتمردة بقيادة رئيس أركان الجيش المعزول بول مالونق اعتزامها تغيير نظام الحكم بسبب ما وصفته بعرقلة كير مشاركتها فى محادثات السلام.
ويبعث على عدم التفاؤل أيضا عدم اقتناع سيلفا كير به فيما يبدو عندما صرح بأن جنوب السودان أصبح حقلا للتجارب،فحتى الأشياء التى لم يتم تجريبها فى أى بلد يجرى تجريبها فيه بغض النظر عما إذا كانت ستؤدى الغرض منها أم لا،فى إشارة إلى اقتراح تقاسم السلطة الذى تقدمت به الخرطوم وكذلك ما قاله مصدر مطلع من أنه تم تحت ضغوط شديدة وترهيب وترغيب.كذلك شكك البيت الأبيض الأمريكى فى قدرة سيلفا كير ورياك مشار على تحقيق السلام قائلا إنهما لا يتمتعان بصفات القيادة اللازمة.
وأد الجنين
فاجأنا حزب زانو الحاكم فى زيمبابوى بالبقاء فى السلطة لخمس سنوات أخرى بفوزه بأغلبية الثلثين فى الانتخابات التشريعية وبالأغلبية البسيطة فى انتخابات الرئاسة، رغم تاريخه الطويل بزعامة الرئيس المعزول روبرت موجابى فى الفوز بالتزوير وقمع المعارضة والتنكيل بقادتها وأنصارها والزج بهم فى السجون.وما لم تسفر الطعون أمام القضاء عن إلغاء فوز مرشح الحزب إيمرسون منانجاجوا بنسبة 50٫8% فقط من الأصوات لا تفسير لذلك سوى انقسام أحزاب المعارضة وكثرة عددها وتشتت الأصوات بينها،وخوف معظم الناخبين من أن يؤدى فوز حركة التغيير الديمقراطى المعارضة إلى إعادة المزارع التى صودرت من البيض إليهم وطرد السود منها،وقيام الزعماء المحليين خاصةً فى الريف بالضغط على الناخبين للتصويت للحزب وشراء الأصوات بالمساعدات الغذائية،وترهيب أنصار المعارضة وانحياز أجهزة الإعلام الرسمية لمرشحيه.وعاقبة ذلك قد لا تقتصر على وأد جنين الديمقراطية الذى بدأ يتكون بعزل موجابى واستمرار الاحتقان المجتمعى والعنف وبقاء السياسيين الفاشلين بسياساتهم الفاسدة، وإنما الإبقاء أيضاً على عزلة زيمبابوى عالميا وحرمانها من مساعدات واستثمارات خارجية تتلهف عليها لانتشال اقتصادها من الانهيار ووقف تدهور مستوى المعيشة إذا لم يغيِّر الحزب سياسته وخطته جذريا.
نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع