بقلم : عطيــة عيســوى
إذا لم تتدخل أجهزة الدولة لصالح حزب ومرشح السلطة قد يحدث تغيير جذرى وقطيعة مع الماضى فى زيمبابوى غدا بانتخاب نيلسون شاميسا مرشح حركة التغيير الديمقراطي، التى قادت المعارضة فى عهد الديكتاتور المعزول روبرت موجابى وذاق زعماؤها وبعض أنصارها العذاب ألوانا،وهزيمة مرشح حزب زانو الحاكم إيمرسون منانجاجوا المحسوب على النظام البائد والمشارك فى بعض خطاياه، وتحوُّل زانو الذى هيمن على الحكم طوال 37 عاما بالترهيب والرشوة والترغيب إلى مجرد حزب لا وزن له فى الحياة السياسية.ولكثرة عدد المرشحين للرئاسة(23)قد لا تُحسم النتيجة إلاَّ فى جولة الإعادة، حيث من المرجح أن تتفتت الأصوات فى الانتخابات البرلمانية والمحلية لكثرة عدد الأحزاب المتنافسة (120) أيضا وتتعدد حالات الإعادة بين المرشحين.
فشاميسا الملقب بالقس ينافس منانجاجوا بجدية حيث يتمتع بشعبية هائلة لدى الشباب الذين يشكلون 435% من المسجلين فى قوائم الاقتراع ولدى العاطلين الشغوفين لفرصة عمل، وسبق أن تعرض للضرب من أمن نظام موجابى أدى إلى كسر جمجمته ويأمل الكثيرون بانتخابه فى تغيير حقيقى يحسِّن مستوى المعيشة المتدهور ويوفر وظائف للعاطلين ووجبة طعام للذين طحنهم التضخم الرهيب واستحواذ سدنة النظام الحاكم على خيرات البلاد.أما منانجاجوا الملقب بالتمساح فبالرغم من أنه اختلف مع موجابى الذى أقاله من منصبه كنائب للرئيس تمهيدا لإسناد المنصب لزوجته قبل أن يتدخل الجيش ويعزل موجابى ويعيده رئيسا انتقاليا للبلاد وأن حملته على الفساد أعادت للدولة خلال ثلاثة أشهر فقط 850 مليون دولار من 14 مليارا نهبها أفراد وشركات،فهو متهم بتدبير الاعتداءات الدموية على أنصار المعارضة بعد انتخابات 2008 ومحسوب على نظام موجابى الذى أفقرت سياساته الشعب وكبتت طموحاته وقضت على مستقبل أبنائه.
وإذا سارت عملية الاقتراع وفرز الأصوات وحصر النتائج على ما يرام فسيكون التقارب وثيقا بين الأصوات التى حصل عليها الرجلان وعلى الأرجح ستجرى بينهما جولة الإعادة، وأن تحصل حركة التغيير الديمقراطى على أعلى نسبة من الأصوات فى انتخابات البرلمان تمكنها من تشكيل حكومة ائتلافية بالتحالف مع أحزاب متقاربة منها فى رؤيتها لإدارة الحكم.فمن الأمور الباعثة على التفاؤل بإجراء انتخابات حرة ونزيهة هذه المرة إدخال نظام التسجيل للاقتراع ببصمة وصورة الناخب لكشف ومنع أى محاولة للتصويت أكثر من مرة باستخدام بطاقات الموتى كما كان يحدث فى عهد موجابي، وهو ما أسفر عن نقص عدد الناخبين المسجلين بمقدار 238 ألفا عنه فى انتخابات 2013 رغم زيادة عدد السكان والناخبين بنسبة 2% سنويا.كما سمحت الحكومة لكل الأحزاب بالدعاية الانتخابية والمسيرات والتجمعات بلا إعاقة أو ترهيب ورحبت بمشاركة مراقبين من أوروبا والولايات المتحدة فى مراقبة الانتخابات للمرة الأولى منذ عام 2002، وشهدت الساحة الإعلامية وجهات نظر متنوعة.حتى الرموز الانتخابية تم حظر استخدامها فى صور حيوانات أو نباتات لارتباطها فى أذهان البعض بالسحر مما قد يثير اللغط عند التصويت.
ومع ذلك من غير المنطقى أن تتحول أجهزة دولة اعتادت على قمع المعارضين والتدخل فى الانتخابات بالترغيب والترهيب والتزوير لصالح الحزب الحاكم إلى ملائكة عادلين محايدين من أول انتخابات تُجرى بعد إزاحة الطاغية.فبالرغم من تلك الإجراءات المبشرة لم يخلُ الأمر من محاولات للانحياز للحزب الحاكم،فإلى جانب انحياز وسائل إعلام الدولة لمرشحيه تم وضع اسم مرشحه على رأس العمود الثانى من القائمة الانتخابية ليكون ظاهرا أكثر من غيره للناخب، وهو ما اعترضت عليه المعارضة التى احتجت أيضا على عدم التسلسل فى كشوف الناخبين وكيفية التحقق من شخصياتهم وعدد مراكز الاقتراع والحبر المستخدم وكيفية طباعة الأوراق الانتخابية وطرق تخزينها.كما اتهمت المعارضة اللجنة الانتخابية بالانحياز للحزب الحاكم ومرشحه للرئاسة وبالتدبير لمساعدتهما على البقاء فى السلطة فى وقت حذرت فيه لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من ترهيب الناخبين فى الأرياف وإجبارهم على حضور التجمعات الانتخابية وتلاميذ المدارس على ارتداء قمصان عليها شعار حزب زانو وتقديم مساعدات غذائية للناخبين للتصويت لمرشحيه.
أما عن القضايا التى تصدرت الحملة الانتخابية للمرشحين والأحزاب جميعا تقريبا ففى مقدمتها القضاء على الفساد واقتراح المعارضة تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة الفاسدين،وتحسين مستوى المعيشة المتدهور للغالبية العظمى وتشجيع الاستثمار وإنقاذ الاقتصاد المتدهور وخفض الإنفاق الحكومى وموقف الدولة من المزارعين البيض الذين صودرت مزارعهم فى عهد موجابى وهم الأغلبية(4000)وكذلك الذين مازالوا يملكون مزارعهم ولا يتجاوز عددهم المائتين،وإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وهو ما وعد به شاميسا إذا فاز فى محاولة لكسب دعم دول الغرب سياسيا واقتصاديا، بينما كان موجابى يدعم بشكل تقليدى كفاح الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ثمن إصلاح ما أفسده موجابى وحاشيته سيكون باهظا لأنه سيحتاج لتقديم تنازلات قاسية للدول والمؤسسات التى تمادى فى عنادها والهجوم عليها، مثل تعويض المزارعين البيض عن مزارعهم المصادرة أوإعادتها إليهم وطرد آلاف السود منها وإبرام عقود إيجارية مدتها 99 سنة لأولئك الذين مازالوا فى مزارعهم مما يقضى على حلم السود فى تملك أرض أجدادهم التى انتزعها منهم المستعمرون الأوائل وورثها عنهم أبناؤهم وأحفادهم.
نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع