بقلم : عطيــة عيســوى
دَفعة جديدة لجهود إنهاء الخلافات بين مصر والسودان أعطتها زيارة الرئيس السيسى للخرطوم، فمن شأنها تسوية بعض القضايا المختلف حولها أوعلى الأقل أن تحول دون تفاقمها إلى أن تتهيأ الأجواء الملائمة لحلها.ويمكن أن تصبح الفائدة أكبر لو تم التخلى عن سياسة كل شىء أو لا شىء، وأن يتم تسوية ما يمكن تسويته من المشكلات لأن حل الأسهل سيمهد لحل الأصعب. والدليل على ذلك أن دول الاتحاد الأوروبى بينها مشكلات وخلافات لا تُحصى ولكن أمثلة التنسيق فى السياسات وتبادل المصالح لا تُعد وربما كان ما بين الولايات المتحدة والصين أوبينها وبين روسيا أعقد ومع ذلك لم تحدث قطيعة سياسية أواقتصادية ولم تتوقف الاتصالات أوالزيارات على أعلى مستوى حتى مع تبادل الاتهامات.
زيارة الرئيس السيسى للخرطوم هى الخامسة منذ توليه الرئاسة والتقى الرئيس البشير نحو 22 مرة داخل وخارج البلدين مما يؤكد حرصه على أن تكون العلاقات المصرية-السودانية أكثر من طبيعية بحكم الروابط الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والأمنية وهو ما يتعين أن تتضاءل معه الخلافات وألاَّ تدخر الحكومتان جهدا لإيجاد حلول وأن تنسق أفضل بشأن القضايا المشتركة وفى مقدمتها سد النهضة الإثيوبى وتنتهز فرصة وجود قيادة إثيوبية جديدة ذات فكر مختلف تسعى بجدية لإنهاء النزاعات مع الآخرين ونجحت بالفعل فى تحقيق سلام غاب 20 عاما مع إريتريا لحل خلاف مستمر منذ تسع سنوات حول السد بما يحافظ على حقوقنا التاريخية المكتسبة فى مياه النيل قبل أن تخمد فورة نشاطه وتستغرقه المشكلات المحلية أوتتغلب عليه القوى المضادة فى الداخل.
المتابع لتطورات العلاقات المصرية - السودانية يلاحظ أنه رغم القمم المصرية - السودانية المتكررة وتشكيل لجنة وزارية لإيجاد حلول للقضايا المختلف عليها والإعلان عن التوصل إلى خريطة طريق لحلها،وباستثناء وقف الحملات الإعلامية المتبادلة والتحسن النسبى على الصعيد الأمنى،لم يحدث تقدم ملموس على طريق حل المشكلات القائمة بين البلدين.وإذا كان ترحيل رئيس الوزراء السودانى الأسبق الصادق المهدى مؤخرا عقب وصوله إلى مطار القاهرة بعد مشاركته بمؤتمر للمعارضة السودانية فى العاصمة الألمانية برلين ضم حركات مسلحة تدعو لإسقاط نظام حكم البشير بالقوة يشير إلى البدء فى تنفيذ ما اتفق عليه البلدان بعدم دعم أو إيواء عناصر معارضة تسعى لإسقاط النظام فى الخرطوم بالقوة أوتتضامن معهم فإن هناك قضايا حلها بسيط مازالت تعكر صفو العلاقات الثنائية مثل استمرار حظر دخول المنتجات الزراعية المصرية إلى السودان بدعوى احتوائها على نسبة زائدة من المبيدات. وبإعلان البشير أنه اتفق مع السيسى على إزالة العوائق أمام حركة التجارة والأفراد والاعلان عن تشكيل لجنة تسيير مشتركة برئاسة وزيرى الخارجية نأمل أن تنتهى هذه المشكلة والمشكلات الأخرى، فلا شك أنه كلما تم حل واحدة من تلك المشكلات كلما تحسنت العلاقات أكثر، وتم تدعيم الموقف التفاوضى المشترك فى قضايا خارجية مؤثرة على البلدين مثل سد النهضة وما قد يتبعه من سدود فى إثيوبيا ودول منابع النيل الأخرى تهدد مكتسبات البلدين فى مياه النهر.ولو تم تنحية الخلافات المصرية-السودانية عن قضية سد النهضة وحدث تنسيق ثنائى أكثر فعالية لكان هناك تأثير أوقع ونتائج أفضل خاصةً فى عهد القيادة الإثيوبية الجديدة.
فخلال زيارته للقاهرة الشهر الماضى تعهد رئيس الوزراء الإثيوبى الجديد آبى أحمد بعدم الإضرار بحقوق مصر فى مياه النيل وبأن يتعاون على زيادتها وأقسم بالله على ذلك مرتين،ومن قبل ذلك تم الإتفاق على تشكيل لجنة تساعية مصرية-سودانية-إثيوبية لحل الخلافات الفنية حول سد النهضة خلال شهر ثم اتفقت اللجنة نفسها على تشكيل لجنة علمية لدراسة تأثيرات السد واقتراح حلول لها وعلى إنشاء صندوق ثلاثى مشترك لتمويل مشروعات البنية التحتية فى الدول الثلاث وأن تجتمع اللجنة التساعية بعد شهر من اجتماعها السابق لبحث رد المكتب الإستشارى الفرنسى على ملاحظاتها واستفساراتها عما ورد فى التقرير الإستهلالى الذى سيضع أسس إعداد الدراستين الفنيتين لتحديد الآثار السلبية المحتملة للسد، وكيفية علاجها.لكن لا اللجنة اجتمعت فى موعدها المقرر( 18 يونيو)ولا سمعنا عن أن خبراء صندوق التنمية اجتمعوا فى 4 يوليو ولا أى خبر عن تشكيل اللجنة العلمية.
يبقى الأمل فى نتائج القمة المصرية-السودانية-الإثيوبية المنتظرعقدها فى أى وقت لتذليل العقبات والتسريع بحل الخلافات،وحبذا لو أسفرت عن خطوط استرشادية محددة غير قابلة للتفسير بأكثر من معنى تُمكِّن الخبراء والوزراء المختصين من التوصل إلى اتفاق نهائى قابل للتنفيذ.وربما يحتاج تحقيق هذا الهدف إلى قوة دفع من الإمارات والسعودية والكويت لدى إثيوبيا كالتى ساهمت فى التقارب الإثيوبى-الإريترى وإنهاء حالة الحرب وعودة السلام بين البلدين بأسرع مما كان يتخيله أى متخصص فى النزاع،فلدول الخليج نفوذ كبير لدى إثيوبيا بحكم ملياراتها المستثمرة هناك ومساعداتها التى لا تتوقف لإنعاش الاقتصاد الإثيوبى الذى يواجه صعوبات تعوق مشروعات التنمية التى يفتقر إليها بشدة نحو 100 مليون إثيوبى.عند ذلك سيتمكن البلدان الثلاثة من إقامة مشروعات تنموية مشتركة مثل الربط الكهربائى وخط سكك حديدية ومنطقة صناعية مصرية فى أديس أبابا فضلا عن تهيئة الأجواء لتدفق الاستثمارات الخارجية.
نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع