بقلم : عطيــة عيســوى
فارق كبير بين زعيم دولة يكسر التابوهات ويحطم الأصنام المحظور الاقتراب منها ويخطو بجرأة نحو تحقيق سلام طال انتظاره بقبوله حكم القانون الدولى بعد طول رفض ممن سبقوه بزعم الحفاظ على وحدة تراب الوطن وبين آخر يضلل شعبه ويقوده إلى الحرب مع الجيران بزعم الدفاع عن التراب الوطنى لكسب شعبية تنقصه، قبل أن تنكشف الحقيقة وتتفند المزاعم ولكن بعد أن يكون قد أهلك آلافا من أبناء شعبه وأحال مقدراتهم الاقتصادية خرابا. ونظرا لغياب الحقيقة عن الشعوب خاصةً فى عالمنا الثالث بسبب التضليل الذى تمارسه أجهزة الإعلام الخاضعة لهيمنة السلطة تنساق الغالبية العظمى من الشعب وراء شعارات مثل هذا الحاكم حتى تأتيهم الحقيقة صادمة ولكن بعد فوات الأوان.
رئيس الوزراء الإثيوبى الجديد آبى أحمد من الطراز الأول بما أنجزه خلال ثلاثة شهور فقط من توليه السلطة متمثلا فى الإفراج عن المعتقلين السياسيين وآلاف المحتجين فى المظاهرات على سياسة الحكومة وقراراتها التى تمس حياتهم اليومية وإقالة قادة السجون التى شهدت تعذيبهم، واختراقه حالة العداء المترسخ بين أبناء بلده والشعب الإريترى منذ اختار الأخير الإنفصال عن إثيوبيا عام 1993 ثم حرب الحدود بينهما بعد ذلك بخمس سنوات.كما أطاح بقائدى الجيش والمخابرات اللذين يبدو أنهما عارضا إعادة الأراضى المتنازع عليها إلى إريتريا تنفيذا لحكم لجنة التحكيم الدولية عام 2002 بأحقيتها فيها ثم مبادرته التاريخية بزيارة أسمره الأسبوع الماضى واتفاقه مع أسياسى أفورقى على إنهاء حالة الحرب التى كلفت البلدين نحو 80 ألفا من صفوة أبنائهما وعلى استئناف العلاقات الدبلوماسية ورحلات الطيران المدنى مما يساعد على إعادة جمع شمل الأسر فى البلدين وعودة تجارة إثيوبيا الحبيسة منذ استقلال إريتريا عبر موانىء إريترية. وجاءت زيارة أفورقى لاثيوبيا أمس لتؤكد الرغبة المتبادلة فى حل الخلافات بصفة نهائية.
لكن نجاح زيارة آبى أحمد التى وصفها يمانى جبرآب ميسكل مستشار الرئيس الإريترى بأنها تُؤذن بحقبة جديدة من السلام والتعاون ومن بعدها زيارة أفورقى سيتوقف على مدى مرونة الحكومة الإريترية وتجاوبها مع مبادرته ومع مطالب بلاده بتعويض السكان الإثيوبيين عن ممتلكاتهم بعد ترحيلهم من الأراضى التى سيتم إعادتها إلى إريتريا وعلى مدى عدم مغالاة الإثيوبيين فى تلك المطالب، وكذلك على مدى قبول أسمره أو رفضها لاقتراح تبادل أراضِ بين البلدين وفقا لما نقلته وسائل إعلام عن أحمد،كما سيتوقف نجاحها على وقف الدعم المتبادل للجماعات المتمردة على حكومتى البلدين وعلى توقف أسمره عما اتُهمت به من دعم حركة الشباب الإسلامية الصومالية المتطرفة حتى تتمكن إثيوبيا من سحب قواتها من غرب الصومال كما يرغب رئيس وزرائها.ولو تم الاتفاق على تبادل أراض ومنح إثيوبيا التى بلا منافذ بحرية منفذا تجاريا على المحيط الهندى بالفعل لتدعمت العلاقات وترسَّخ السلام أكثر وتوارى شبح العودة إلى الحرب وتم توفير الأموال التى تستنزفها الحشود العسكرية واستيراد السلاح لإنفاقها على مشروعات التنمية ولتهيأت الأجواء لتدفق الاستثمارات الأجنبية ورفع العقوبات التى تسبب فيها النزاع.
لقد قال ميسكل إن مسألة الحدود تم حلها وفق ما اتفق عليه البلدان والمؤشرات الأولية تبعث على التفاؤل لكن الرحلة ستكون طويلة مضيفا أن إريتريا وإثيوبيا قررتا طى صفحة الخلافات والحكومة الإثيوبية مهتمة بإرساء السلام مع إريتريا.ومع ذلك من السابق لأوانه القول إن هذه الزيارة التاريخية ستضع نهاية لواحد من أطول النزاعات وأكثرها دموية فى إفريقيا، فالأجواء لا تخلو من معارضين لمبادرة آبى أحمد ونهجه التصالحى ومن غير المستبعد أن يتم وضع حد لها بانقلاب عسكرى أو حتى باغتياله، وما انفجار المنصة الذى وقع عقب خطابه فى لقاء جماهيرى قبل أيام ببعيد.
أيضا بإمكان قادة جنوب السودان أن يدخلوا التاريخ كصانعى سلام لو أكملوا مشروع انهاء الحرب الأهلية الدائرة منذ نحو خمس سنوات وأبرموا اتفاق سلام نهائيا والتزموا بتنفيذه.فبعد أن دب اليأس فى النفوس لفشلهم فى وقف رحى الحرب التى تسببت فى مصرع نحو 50 ألف إنسان وتجويع 7ملايين وتشريد 4ملايين فى الداخل وفرار نحو مليونين إلى دول الجوار جاءت الأنباء بما يحيى الأمل بتوقيع اتفاقيات جزئية كان آخرها ما أعلنه وزير خارجية السودان عن اتفاق الرئيس سيلفا كير وخصمه اللدود المتمرد رياك مشار حول تقاسم السلطة وعودة مشار نائبا أول للرئيس بعد طول رفض من كير ضمن أربعة نواب إحدهم سيدة من المعارضة. وقبل ذلك بأيام وقع الرجلان اتفاقا فى الخرطوم لسحب قواتهما من المناطق الحضرية دعما لاتفاقهما فى يونيو الماضى بوقف القتال.
ومع ذلك فالطريق يبدو طويلا أمام التوصل لاتفاق نهائى قابل للتنفيذ،فاتفاق تقاسم السلطة وصفه الوزير السودانى بأنه مبدئى وسيتم بحث تفاصيله فى اجتماعات بالسودان وكينيا فى الأيام المقبلة ما يعنى احتمال عدم إبرام اتفاق نهائى مع وجود خلافات لم تُحل حول الترتيبات الأمنية ووضع مسلحى مشار خلال الفترة الانتقالية التى تسبق إجراء انتخابات عامة ورئاسية وتشكيل حكومة منتخبة وجيش وطنى وجهازى أمن موحدين.
نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع