بقلم : عطيــة عيســوى
تطور مهم أن تجتمع فى القاهرة الخميس الماضى اللجنة الرباعية المصرية-السودانية بعد أقل من أسبوعين من اتفاق الرئيسين السيسى والبشير على تشكيلها لوضع خريطة طريق لحل المشكلات القائمة بين البلدين،ولكن يجب ألاَّ نحمِّلها أكثر مما تحتمل أونتوقع منها أكثر مما هو ممكن، حتى لا تصيبنا النتائج بإحباط،فالمشكلات بعضها معقد ويحتاج لوقت طويل وجهود مستميتة وأفكار مبتكرة.ولو بدأت اللجنة بالمشكلات السهلة والمتوسطة الصعوبة ووضعت المعقدة فى ذيل القائمة انتظاراً لظروف مواتية أكثر لحلها يمكن أن يُهيئها ما سيتم حله من خلافات،مع عدم ربط حل المشكلات ببعضها أواشتراط حلها كصفقة واحدة والتزام الطرفين بتنفيذ ما اتفقا عليه فإنها ستكون بذلك قد حققت إنجازاً عظيماً.
هناك قضايا يمكن حلها بجرة قلم مثل رفع الحظر عن دخول منتجات الفاكهة والخضراوات المصرية إلى السودان بدعوى احتوائها على ما يضر بالصحة ومثل إزالة العقبات من أمام منتجات مصرية بالموانى السودانية كالسيراميك والأدوات الكهربية بسبب فرض جمارك تصل إلى 400% من قيمتها رغم تمتعها بحق الإعفاء أوتسديد رسوم منخفضة طبقاً لاتفاقيتى التجارة الحرة للجامعة العربية وتجمع دول الكوميسا.كذلك يمكن إلغاء القيود المتبادلة على منح تأشيرات الدخول لمواطنى البلدين والإقامة والعمل والتملك والتنقل وفقاً لاتفاقية الحريات الأربع التى وقَّعها البلدان عام 2004 مع التشديد على عدم السماح لوسائل الإعلام بشن هجمات على سياسات الحكومتين أوتجريح القيادات وضرورة أن يتوقف المسئولون أنفسهم عن إطلاق التصريحات التى تفتح الباب أمام الإعلاميين لشن الحملات وألاَّ تلتفت القيادات فى البلدين إلى ما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي، لأن السيطرة الكاملة على ما تنشره مستحيلة فضلاً عن أنها لا تعبِّر بالضرورة عن سياسة الحكومتين.
وفيما يتعلق بالوجود التركى فى جزيرة سواكن السودانية فى البحر الأحمر يمكن أن تكتفى مصر بالحصول على تأكيدات وضمانات سودانية بأن تركيا لن تستغلها فى أنشطة عسكرية أو أمنية تضر بأمنها القومى خاصةً تهريب أسلحة وعناصر إخوانية مُلاحَقة إلى الأراضى السودانية ومنها إلى الأراضى المصرية عبر الحدود الطويلة بين البلدين فى ضوء الخلافات والقطيعة التى حدثت مع أنقرة نتيجةً لتدخلها السافر فى الشئون الداخلية المصرية, وسماح أردوغان لعناصر إخوانية مطلوبة للعدالة بالإقامة فى بلاده وشن حملاتها المسمومة عبر محطات تليفزيونية تم إنشاؤها لهذا الغرض.
أما القضايا الصعبة فيمكن حلها بالصبر والجهد المكثف ومن بينها التوفيق بين منافع السودان من إنشاء وتشغيل سد النهضة الإثيوبى ومصالح وحقوق مصر المكتسبة عبر التاريخ فى مياه النيل.نعم سينتفع السودان بالكهرباء الرخيصة وتنظيم تدفق مياه النيل الأزرق على مدى العام بدلاً من شهور الفيضان الأربعة فقط وهو ما يحمى الخرطوم ومناطق سكنية أخرى كثيرة على ضفاف النيل من فيضانات شبه سنوية مدمرة، ويتمكن من استغلال كامل حصته من المياه(18.5 مليار متر3 سنوياً)بعد أن كان جزءُُ منها يعبر إلى مصر لعدم قدرة السدود السودانية على احتجازها بالكامل.لكن ذلك يمكن أن يتحقق مع الحفاظ على حصة مصر (55.5 مليار متر3)المعرضة للنقص وتأخر الوصول بسبب سد النهضة الذى يحتاج ملء بحيرته الضخمة (74 مليار متر3)إلى اقتطاع قدر كبير من المياه قد يؤدى إلى تبوير أراضِ زراعية ووقف استصلاح أراضِ جديدة وتقليل قدرة السد العالى على انتاج الكهرباء بنسبة الربع إذا لم يتم الإتفاق بين الدول الثلاث على ملء البحيرة على مدى سنوات أطول لخفض كمية المياه المحتجزة إلى حدود محتملة ومنع عملية الملء فى مواسم قلة هطول الأمطار مع وضع منظومة حسابية تسمح بتشغيل سد النهضة بالتنسيق والتوازى مع السد العالى وسدود السودان معاً لمنع توقف أى منها أو خفض كفاءته.وهذا يحتاج إلى تضامن الحكومة السودانية مع الحكومة المصرية فى مفاوضات اللجنة الثلاثية التى اتفق زعماء الدول الثلاث على أن تنتهى من حل المشكلات التى تعترض عملها خلال شهر وإلى عدم ترك الخلافات المصرية-السودانية حول قضايا ثنائية تدفع الموقف السودانى للإنحياز إلى الموقف الإثيوبى على حساب حقوق الشعب المصرى مع تسليم القاهرة فى الوقت نفسه بحق الشعب السودانى فى المكاسب التى سيجنيها من السد.
وفيما يتعلق بالقضايا الأمنية فليس الإتفاق بشأنها مستحيلاً وإنما يُملى خطر الإرهاب المنتشر فى المنطقة على البلدين الإسراع باتخاذ أقصى إجراءات التنسيق والتعاون لمكافحته بتشكيل قوة أمنية مشتركة على جانبى الحدود لوقف تسلل الإرهابيين والعناصر المتطرفة وبعدم إيواء أى منهم أوتهريب الأسلحة والبشر مع تخلى السلطات السودانية عما تردد من أنها اشترطت لتشكيلها أن يتم نشر أفرادها أيضاً فى حلايب.فهذا الشرط،إن صح،يضع العقدة فى المنشار ويضحى بمكاسب أمنية مشتركة من أجل مطالب ليست محل نقاش من جانب مصر التى تعتبرحلايب جزءاً لا يتجزأ من أرضها وفقاً لاتفاقية 1899 بينها وبين بريطانيا التى كانت تحتل وقتها السودان حيث درجت القوانين والأعراف الدولية والإفريقية على احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار وعدم تغييرها إلاَّ برضى الطرفين.
نقلا عن الاهرام القاهريه