بقلم : عطيــة عيســوى
فى تطور مبشر باحتمال وقف رحى حربِ أزهقت أرواح نحو 50 ألف إنسان وشردت نحو أربعة ملايين وألجأت نحو 15 مليون إلى دول الجوار وجوَّعت أكثر من سبعة ملايين يمثلون أكثر من نصف الشعب وقَّع رئيس جنوب السودان سيلفا كير ونائبه السابق وخصمه اللدود رياك مشار اتفاقا دائما لوقف إطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية بعد ثلاثة أشهر من توقيع اتفاق سلام شامل، وتبادل الإفراج عن الأسرى. ورغم أهمية الاتفاق كخطوة أولية على طريق السلام المطلوب بشدة فإن انهيار اتفاقيات عديدة سابقة وتحميل كل طرف المسئولية على الآخر يجعل من السابق لأوانه القول إن نهاية تلك المأساة المستمرة منذ نحو خمس سنوات قريبة إلاَّ إذا أثبت الطرفان التزامهما الكامل بوقف القتال وسعيهما بجدية لحل الخلافات حول اقتسام عادل للسلطة ووضع ترتيبات أمنية متوازنة ومتماسكة.
التطور الآخر الباعث أكثر على التفاؤل بإمكانية انتهاء صراع حدودى بين إثيوبيا وإريتريا راح ضحيته نحو 80 ألف إنسان من خيرة أبناء البلدين بين عامى 1998 و2000 واستنزف مليارات الدولارات من قوت الشعبين واحتياجات المشروعات التنموية هو رد الرئيس الإريترى الإيجابى على مبادرة رئيس الوزراء الإثيوبى الجريئة بقبول اتفاق السلام الموقع عام 2000 وحكم هيئة التحكيم الحدودى الدولية بأحقية إريتريا فى بلدة بادمى ومناطق حدودية أخرى متنازع عليها بينهما وإرساله وفدا برئاسة وزير الخارجية إلى أديس أبابا لبحث كيفية تنفيذ المبادرة.ورفع سقف الأمل ذلك الاستقبال الحار والترحيب غير العادى للوفد من الجانب الإثيوبى خاصةً من رئيس الوزراء الذى أعلن أيضاً أن شركة الطيران الوطنية الإثيوبية ستستأنف رحلاتها المتوقفة منذ 20 عاما إلى العاصمة الإريترية أسمرة، لكن إنهاء تلك المأساة يحتاج إلى استكمال المباحثات بنفس الدفعة القوية والروح الإيجابية اللتين بدأت بهما، والتزام الموضوعية فى التفاوض حول حقوق سكان تلك المناطق من الإثيوبيين، وحقوق أصحاب الأرض عند البحث فى التعويضات، وعدم التخندق عند مطلب بعينه وتجهيز مقترحات بديلة والتقدم بها فى الوقت المناسب حتى لا تتعثر المباحثات أو تتوقف نهائيا.فعلى الطرفين أن يغتنما الفرصة لأنه ليس هناك ما يضمن أن تظل متاحة إلى ما لا نهاية بلا قيود أو شروط. أما الحدث الثالث الذى ينظر إليه عموم الأفارقة كالمعتاد بعدم تفاؤل فهو انعقاد قمة القادة الأفارقة فى نواكشوط عاصمة موريتانيا اليوم متوقعين بناءً على تجارب الماضى ألا تختلف قراراتها ونتائج أعمالها عن تلك التى انتهت إليها القمم السابقة، فالمشكلات التى تعصف بدول القارة هى نفسها بلا حلول رغم تكرار قرارات حلها فى كل قمة، وإن اختلف الشعار الذى تنعقد تحته،والسبب غياب الإرادة السياسية واختلاف التوجهات وقلة الإمكانات المادية والتقنية وضعف الأجهزة التنفيذية وتفشى الفساد. ولأن هذه القمة تأتى بعد محاولتى اغتيال رئيس وزراء إثيوبيا آبى أحمد، ورئيس زيمبابوى إيمرسون منانجاجوا فمن المتوقع أن تسارع ببيان إدانة حماسى بلا مردود إيجابى على حياة رجل الشارع وبتبنى، ما وصفتها مصادر القمة استراتيجية إعلامية لمكافحة الإرهاب ومواجهة الغلو والتطرف الفكرى وهو تصور هلامى من غير الواضح كيف سيتم تنفيذه.
القمة التى تنعقد تحت شعار (الانتصار فى مكافحة الفساد نهج مستدام للتحول فى إفريقيا) مثل قمة يناير الماضى تهيمن عليها أيضاً قضايا الإرهاب الذى يتمدد فى أنحاء القارة والحروب الأهلية بجنوب السودان وليبيا والصومال والهجرة غير الشرعية التى أودت بحياة عشرات الآلاف من الهاربين من الفقر والجوع والاضطهاد داخل بلادهم ونقص الغذاء وتزايد عدد الجوعى ومعضلة سوق التجارة الحرة التى مازالت حبرا على ورق رغم مرور السنين على قرار تأسيسها.فكلها قضايا هيمنت على أعمال قمم إفريقية عديدة واتخذ القادة قرارات بشأنها لم نر لها أثراً إيجابيا ملموسا على أرض الواقع، فلا الحروب توقفت ولا الإرهاب انحسر ولا أسباب الهجرة غير الشرعية للشباب الأفارقة تم القضاء عليها ولا الحواجز الجمركية أو معوقات حركة التجارة الحرة بين الدول الإفريقية التى مازالت لا تتعدى 16% من حجم تجارتها الخارجية تمت إزالتها أو حتى تخفيفها.
وبينما تتسول إفريقيا المعونات لسد احتياجات شعوبها الملحة كشفت فيرا سونجوى الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية الإفريقية التابعة للأمم المتحدة أن الفساد يكلف القارة 148 مليار دولار سنويا أى ما يعادل 25% من إجمالى ناتجها القومى، ويُعدُّ هو والاضطرابات من أبرز الأسباب الطاردة للاستثمار، حيث يعرقل قدوم الاستثمارات الأجنبية المطلوبة بشدة لتمويل مشروعات البنية التحتية الضرورية للنهوض بالاقتصادات الوطنية المتخلفة، وكان سببا فى انخفاض نصيب إفريقيا منها إلى ما لا يتعدى 12% مقابل 28% للدول النامية عموما. كما يعرقل استثمارات القطاع الخاص ويخفض معدل النمو الاقتصادى ويزيد تكلفة تنفيذ المشروعات ويحرم الحكومات من موارد ضرورية للإنفاق على البنية الأساسية والرعاية الصحية وتوفير الغذاء، ويمكن أن يؤدى إلى اضطرابات سياسية، بينما تنخفض تكاليف الإنتاج بنسبة 20% فى الدول التى ينحسر فيها ويزيد الدخل القومى للدول بنسبة 400% إذا تم استثمار الأموال الفاقدة فى التنمية.
نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع