بقلم : عطيــة عيســوى
يمثل اتفاق وقف الأعمال العدائية بين جبهة تحرير أورومو وحكومة إثيوبيا أحدث ثمرة لسلسلة الإصلاحات الداخلية وتسوية النزاع الحدودى مع إريتريا والتى شرع فيها رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد منذ توليه السلطة قبل نحو أربعة أشهر وبدأها بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإعفاء خمسة من قادة السجون من مناصبهم بتهمة انتهاك حقوق الإنسان وتعذيب المسجونين وبرفع الحظر عن 264 محطة تليفزيون وموقعا معارضا على شبكة الإنترنت، وإعادة خدمة الشبكة العنكبوتية بعد حظرها شهورا ومدَ يد المصالحة إلى كل شخصية وجماعة معارضة فى الخارج ودعوتهم للعودة إلى الوطن.
آبى أحمد المولود لأب مسلم من الأورومو أكبر عرقيات إثيوبيا ولأم مسيحية من عرقية الأمهرا ثانية أكبر العرقيات والمتزوج من مسيحية أمهرية تعهد منذ اليوم الأول بإصلاح أخطاء الماضى، وتحقيق تنمية شاملة ومكافحة الفساد ثم تعهد مرة أخرى بمواصلة الإصلاحات بعد محاولة اغتياله فى يونيو الماضى،وهو الذى قال:نريد الحب لا الحرب مع إريتريا ونجح حتى الآن فى تنفيذ خطته لدرجة يمكن معها وصفه بجورباتشوف إفريقيا تشبهاً بالزعيم السوفيتى ميخائيل جورباتشوف الذى كسر القبضة الحديدية للحكم الشيوعى للجمهوريات السوفيتية وأتاح للكثير منها انتخاب زعمائها بحرية وأنهى سنوات القمع والقهر والموت فى غياهب السجون والمعتقلات،وإن كان البعض قد أساء استغلال تلك الحرية فتفككت الدولة وهو ما يتعين على الزعيم الإثيوبى أن يأخذه فى الحسبان لأن بلاده تتكون من ثمانين شعبا وعرقية.
جبهة تحرير أورومو التى تمردت منذ السبعينيات قائلةً إنها تناضل من أجل شعب الأورومو فى مواجهة هيمنة أقلية التيجراى«6%» ليست وحدها التى جنحت إلى السلم مؤمنةً بصدق وجدية رئيس الوزراء الشاب فى الإصلاحات وإنهاء المظالم وإنما سبقتها جماعة جينبوت «7 مايو» التى اتخذت من إريتريا مقرا لها بإعلان تعليق تمردها المسلح الذى بدأ منذ عشر سنوات قائلةً إن إصلاحات آبى أعطتها الأمل فى إمكان تحقيق ديمقراطية حقيقية.وكانت الحكومات السابقة قد صنفتها مع جبهة تحرير أورومو وجبهة تحرير أوجادين والجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو منظمات إرهابية، لكن حكومة أحمد عفت عن زعيمها المحكوم عليه بالإعدام وسمحت له باللحاق بعائلته فى لندن.كما وصل إلى أديس أبابا من المنفى وفد من كبار مسئولى الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو المتمردة للتفاوض مع الحكومة لإنهاء التمرد،ولم يتبق تقريبا سوى جبهة تحرير أوجادين التى حملت السلاح منذ 1984 دفاعا عن حقوق الإثيوبيين من أصل صومالى حيث لم ترد أنباء عن الشروع فى مباحثات بينها وبين الحكومة لإنهاء تمرد وصل فى مرحلة ما إلى محاولة الانفصال بالإقليم الذى اقتطعه الإنجليز من الصومال الذى كانت تحتله إيطاليا قبل هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية وضمَّوه إلى إثيوبيا.
يشكل الأورومو 34% من سكان إثيوبيا واشتكوا طويلا من التهميش السياسى والاقتصادى حيث لم يسبق لهم قبل آبى أحمد أن تولوا الحكم فى تاريخ البلاد الحديث وتفتقر مناطقهم إلى المشروعات التنموية مقارنةً بالأمهرا والتيجراى.لكن نجاح اتفاق إنهاء العداوات بين جبهة تحرير أورومو والحكومة سيتوقف على مدى جدية وسرعة تحرك المسئولين لإشراكهم فى السلطة ومنحهم حقوقهم السياسية والاقتصادية واحترام عاداتهم وتقاليدهم وشعائرهم الدينية ورفع القيود المفروضة عليهم.كما سيحتاج إلى استمرار الدفعة التى ساعدت فى إبرامه متمثلة فى اتفاق إنهاء حالة الحرب وتسوية نزاع الحدود وتطبيع العلاقات مع إريتريا التى اتخذت بعض حركات التمرد الإثيوبية من أراضيها نقطة انطلاق لها.والشىء نفسه ينطبق على جماعات التمرد الإثيوبية الأخرى.
أما البؤرة الأكثر اشتعالا حاليا فهى إقليم أوجادين الذى شهد أعمال عنف متكررة فى الشهور الأخيرة راح ضحيتها عشرات القتلى ونحو مليون مشرد إما فى مواجهات مع قوات الأمن الحكومية أو بينهم وبين أبناء شعب الأورومو فى صراع تقليدى على المياه والمراعى حيث يشاركونهم حدودا تصل إلى 1400 كيلومتر.رئيس الوزراء الجديد كان قد سارع بعد خمسة أيام فقط من توليه منصبه بزيارة منطقة الاشتباكات بين العرقيتين ووعد بإيجاد حلول عاجلة لمشكلاتها،لكن اتهام الحكومة الفيدرالية لمسئولى الحكومة المحلية فى أوجادين بتشكيل قوة أمن خاصة تقوم باعتداءات على أبناء الأورومو وبانتهاك حقوق الإنسان وإرسالها قوات فيدرالية إلى الإقليم لاعتقالهم وإجبارها رئيسه عبدى محمود على الاستقالة ثم اعتقاله رفع مستوى التوتر فوقعت أعمال عنف جديدة قتل فيها أشخاص وتم إشعال النار فى كنائس ومحال تجارية والاعتداء على إثيوبيين من غير أبناء الإقليم.وفى المقابل ثار خلاف بين الحكومة المركزية وحكومة أوجادين بشأن كيفية توزيع ثروة البترول الذى بدأت بشائره فى أرض الإقليم فى الوقت الذى اتهمت فيه حكومته المحلية مسئولين كبارا فى حكومة أوروميا بالتعاطف مع جبهة تحرير الأورومو.وما لم يسرع آبى أحمد باتخاذ إجراءات لنزع فتيل التوتر وإرضاء الأوجادينيين وإغراء جبهة تحريرهم بعقد اتفاق ينهى التمرد وبتسوية مشكلة الحدود مع إقليم الأورومو ستبقى المشكلة مصدر قلاقل ونزيف للدم والمال وسببا فى التوتر بين أبناء عرقيًات أخرى متعاطفة مع هذا الطرف أو ذاك فى الداخل وحتى فى دول الجوار.
نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع