بقلم : عطيــة عيســوى
الكل يتكالب على ثروات إفريقيا الطبيعية الوفيرة،بترول وذهب ومعادن نفيسة وعلى سوقها الاستهلاكية الواسعة المتمثلة فى 1200 مليون نسمة من المتوقع أن يشكلوا ربع عدد المستهلكين فى العالم بحلول عام 2050 والناتج القومى الإجمالى المنتظر أن يتضاعف بحلول عام 2030،لكن أسلوب كل دولة فى التعامل مع الدول الإفريقية من حيث تقديم المساعدات وتمويل المشروعات وتنفيذها يختلف من واحدة إلى أخرى الأمر الذى أتاح للصين فرصة الاحتفاظ بلقب أكبر شريك تجارى للقارة للسنة التاسعة على التوالى بمبلغ 170 مليار دولار، لسياستها المرنة ومناسبة منتجاتها لقدرات الأفارقة الشرائية وكذلك الفوز بتنفيذ مشروعات بنية أساسية تعود على شركاتها بنحو 440 مليار دولار بحلول عام 2025.وهذا ما دفع تريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا وأنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا للقيام بجولتين إفريقيتين فى أسبوع واحد بعد أسابيع فقط من جولات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأمريكى السابق ريكس تيلرسون ونظيره الروسى سيرجى لافروف ومن قبلهما أفيجدور ليبرمان وزير دفاع إسرائيل الذى قال بعد عودته:هناك فرص لا تُحصى فى إفريقيا وإذا لم نتقدم لتعميق التعاون مع دولها سيبادر الآخرون خاصةً الإيرانيين بذلك.
فى القمة الصينية-الإفريقية الأخيرة وعدت بكين بدعم الدول الإفريقية بـ60 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة منها 15 مليارا مساعدات لا تُرد وقروض بدون فوائد مع التركيز على قطاعات أساسية مثل دعم الصناعات وتطوير البنية التحتية وتسهيل المعاملات التجارية وتنمية قطاع الاقتصادات الصديقة للبيئة.هذا بالإضافة إلى 125 مليارا بشروط ميسرة فيما بين عامى 2000 و2016 موَّلت ونفَّذت بها مشروعات بنية تحتية من طرق وجسور وموانى وسكك حديد وسدود،واستثمارات بلغت 40 مليار دولار من المتوقع أن تكون نتيجتها إنشاء طرق سريعة بطول 30 ألف كيلومتر وموانى بطاقة 85 مليون طن سنويا وتوليد 20 ألف ميجاوات كهرباء وتوفير مياه نظيفة بمعدل تسعة ملايين طن يوميا و900 ألف فرصة عمل فى دول تفتقر بشدة إلى الطرق والموانى والكهرباء اللازمة للتنمية وللسوق الإفريقية الموحدة المنشودة ويعيش نحو 75% من سكانها بلا كهرباء وأكثر من 50% بلا مياه صالحة للشرب وتعانى الأغلبية العظمى منها من بطالة مرتفعة تبلغ نسبتها فى بعضها 90%.والفارق بين الصين والدول الغربية أن مساعداتها غير مشروطة بقيام حكم ديمقراطى أواحترام حقوق إنسان أومكافحة فساد أوإنهاء نزاعات ويعمل خبراؤها ورعاياها فى مشروعات التنمية الإفريقية يدًا بيد على العكس من الأمريكيين والأوروبيين الذين عادةً ما يكتفون بإصدار التوجيهات من مكاتب مكيفة ويتقاضون رواتب ضخمة يتم اقتطاعها من مساعدات دولهم فضلا عن ربطها بالشروط السابق ذكرها.
ماى التى زارت جنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا وعدت بأكثر من خمسة مليارات دولار مساعدات لإفريقيا تضاف إلى 54 مليار دولار استثمارات وتعهدت بتغيير جوهرى فى إنفاقها على التحديات الاقتصادية والأمنية طويلة المدى بدلًا من خطط خفض نسبة الفقر قصيرة الأمد ووقعت اتفاقية دفاعية وأمنية مع نيجيريا لمواجهة بوكو حرام وتعهدت بتقديم 16 مليون دولار لتعليم 100 ألف تلميذ توقف تعليمهم بسبب القتال، وأخرى أمنية مع كينيا لمواجهة حركة الشباب الصومالية وتعهدت بإعادة مبالغ ضخمة مهربة إليها.كما عرضت ميركل التى زارت السنغال وغانا ونيجيريا دعم الدول الراغبة فى إجراء إصلاحات تتعلق ببناء الاقتصاد ومكافحة الهجرة غير الشرعية ووعدت بزيادة فرص الهجرة الشرعية للأفارقة وعدد الدارسين النيجيريين فى ألمانيا.أما الولايات المتحدة التى بلغ حجم استثماراتها فى القارة نحو 57 مليار دولار فى 2016 وحجم تجارتها 53 مليارا فقط فأعلن وزير خارجيتها السابق تيلرسون أن إفريقيا هى المستقبل وأن إستراتيجية بلاده تتركزعلى مكافحة الإرهاب وتحقيق التنمية والحكم الرشيد وتعهد بدعم نيجيريا وغانا وتشاد وإثيوبيا وكينيا فى مواجهة المتطرفين والإرهابيين.أما استثمارات فرنسا التى وعد رئيسها ماكرون بخمسة مليارات يورو مساعدات سنوية لإفريقيا فيبلغ حجمها 49 مليار دولار لكن معظمها فى مستعمراتها السابقة. كما تعهد رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى فى 2016 بحزمة استثمارات قيمتها 30 مليار دولار بإفريقيا على مدى سنوات ثلاث.
وهذه روسيا التى تخلت فى التسعينيات عن مشروعاتها فى إفريقيا بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي، وأوقفت برامج مساعداتها تعود باحثةً عن شركاء جدد وإعادة بناء العلاقات القديمة حيث زار رئيسها بوتين الجزائر وجنوب إفريقيا والمغرب وطاف رئيس وزرائها ميدفيدف أنجولا وناميبيا ونيجيريا عارضًا مشروعات تجارية.كما أرسلت أسلحة ومدربين لجيش إفريقيا الوسطى وأسلحة للكاميرون وعقدت اتفاقيات عسكرية مع الكونغو-كينشاسا وبوركينا فاسو وأوغندا وأنجولا وتعاونت مع السودان فى مجال الطاقة النووية وتعمل مع زيمبابوى وغينيا فى الصناعات التعدينية، لكن استثماراتها ومساعداتها مازالت ضئيلة.أما الهند التى بلغ حجم تجارتها مع إفريقيا 72 مليار دولار عام 2025 فأعلنت أنها ستفتح 18 سفارة جديدة لتعزيز وجودها فى إفريقيا ووعد رئيس وزرائها ناريندرا نودى بزيادة استثماراتها التى بلغت 13 مليار دولار فى 2016 والإبقاء على أسواقها مفتوحة أمام الأفارقة.واستثمرت تركيا ستة مليارات دولار فى إفريقيا وبلغ حجم تجارتها ستة مليارات أخرى فى العام نفسه.
نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع