بقلم : عطيــة عيســوى
إذا تم تنفيذ قرار التحالف الحاكم فى إثيوبيا بالقبول والتنفيذ الكامل لحكم لجنة التحكيم الدولية بأحقية إريتريا فى أراضِ متنازع عليها بينهما ستكون ضربة معلم من رئيس الوزراء الإثيوبى الجديد آبى أحمد من شأنها إنهاء نزاع حدودى كلَّف البلدين غاليا بشريا وماديا وفجَّر أشد الحروب دمويةً فى إفريقيا. فبالرغم من أن قرار الأسبوع الماضى جريء وأحيا الأمل بعودة السلام والاستقرار للمنطقة بعد طول رفض ومماطلة فى تنفيذ الحكم إلاَّ بشروط فإن تنفيذه سيتوقف على ما إذا كانت أديس أبابا قد تخلت تماما عن شروطها المسبقة وعلى مدى تجاوب أسمرة ومرونتها معه.
الحرب التى راح ضحيتها نحو 80 ألف إنسان بين عامى 1998 و2000 بدأتها إريتريا فجأةً لانتزاع بلدة بادمى الحدودية بعد ما وصفته بمماطلات إثيوبية فى إعادتها وترسيم الحدود المشتركة طوال خمس سنوات أعقبت استقلالها عنها عام 1993 وهو ما وصفه البعض بأنه مثل شجار بين اثنين من الصُّلع على مُشط نظرا لكونها بلدة ترابية لا قيمة لها وليست أكثر من سوق تجارية بدائية على الحدود.وبعد معارك طاحنة انتهت برد القوات الإريترية واستعادة إثيوبيا لبادمى وتوغل قواتها فى مزيد من الأراضى الإريترية وقَّع البلدان اتفاقا لوقف الأعمال العدائية فى 18 يونيو 2000 ثم اتفاق سلام فى الجزائر بعده بستة أشهر ينص على تشكيل لجنة تحكيم دولية للفصل فى النزاع مع تعهدهما المسبق بقبول الحكم وتنفيذه.
حكمت اللجنة فى إبريل 2002 بتبعية بادمى ومناطق أخرى لإريتريا فشكَّل قرارها صدمة للحكومة الإثيوبية وأعلنت عدم قبولها له رغم تعهدها المسبق ثم عادت لتقبله بشرط أن تتفاوض معها الحكومة الإريترية حول كيفية التنفيذ الأمر الذى رفضته الأخيرة قبل أن تسحب أديس أبابا قواتها.ساد الجمود الموقف إلاَّ من اشتباكات بين قوات الطرفين من وقت لآخر وتبادل اتهامات بدعم الجماعات المتمردة والمعارضة وحملات إعلامية أبقت على التوتر وانعدام الثقة وجعلت الأجواء غير مهيأة لإحداث نقلة نوعية على طريق الحل حتى تبدلت القيادة فى إثيوبيا لأسباب داخلية وتولَّى رئاسة الوزراء شاب تصالحى ذو فكر مختلف هو آبى أحمد أعلن منذ اليوم الأول لتوليه المسئولية رغبته فى إنهاء النزاع واصفا ما حدث بأنه سنوات من سوء التفاهم بين البلدين آن لها أن تنتهي.
الداعى للتفاؤل هذه المرة أن القرار الإثيوبى أكد القبول والتنفيذ الكامل لحكم لجنة الحدود، لكن مطالبته الحكومة الإريترية بأن(تتخذ الموقف نفسه بلا أى شروط مسبقة وأن تقبل دعوتنا لاستعادة السلام المفقود طويلا بين البلدين إلى سابق عهده)مازالت حتى كتابة هذه السطور عبارة غامضة قد تنطوى على مطالب ترفضها إريتريا التى رفضت من قبل أى مباحثات مع غريمتها قبل أن تسحب قواتها بالكامل تنفيذا للحكم.فقد سبق أن وصف الإريتريون عرض رئيس الوزراء الإثيوبى للسلام بأنه لا يختلف عن عروض قدمها قادة إثيوبيون سابقون وردَّ عليه وقتها وزير الإعلام الإريترى يمانى جبريميسكل بقوله إن العلاقات لا يمكن أن تتحسن قبل أن تسحب إثيوبيا قواتها وتلتزم باتفاقية السلام وتحترم سيادة إريتريا وسلامة أراضيها وإن الكرة الآن فى الملعب الإثيوبي.
وإذا كان صحيحاً أن الكرة الآن فى ملعب إثيوبيا التى يبدو أنها أصبحت اليوم أكثر اهتماما بإعادة الاستقرار داخل أراضيها أكثر من اهتمامها بالاستحواذ على بادمى بعد احتجاجات أبناء عرقيتى الأورومو والأمهرا العاصفة التى قضَّت مضجع النظام وتسببت فيما يبدو فى استقالة رئيس الوزراء السابق هيلا ماريام ديسالين فجاةً واختيار آبى أحمد لخلافته إلاَّ أن تنفيذ القرار يحتاج إلى خطوات متبادلة من البلدين وليس أن يجلس أحدهما منتظرا أن يلبى الآخر كل شروطه أولا.ربما يتطلب الأمر أن تثبت إثيوبيا حُسن نيتها وجديتها بالبدء فى سحب قواتها من بادمى كإجراء ضرورى لإعادة بناء الثقة المفقودة حتى يبدأ الطرفان المباحثات اللازمة للاتفاق على كيفية مواجهة تداعيات تنفيذ الحكم مثل وضع العائلات الإثيوبية فى المناطق التى سيتم الانسحاب منها والتعويضات الخاصة بأملاكهم واتخاذ الإجراءات الأمنية الضرورية لمنع تجدد الاشتباكات التى وقعت مرارا رغم اتفاق وقف إطلاق النار وكان أخطرها ما وقع فى يونيو 2006 على جبهة تسورونا الوسطى وقُتل فيه العشرات واتهم كل من الطرفين الآخر ببدء الهجوم. لذلك يتعين على إريتريا أن تلتقط الكرة ولا تتركها تخرج من الملعب حتى تستعيد أرضها التى فشلت فى استردادها بالقوة العسكرية.
نجاح المبادرة الإثيوبية يتطلب أيضاً أن يتوقف الطرفان عن حملات التشويه الإعلامى المتبادل وعن دعم وإيواء المتمردين على كل منهما وعن التدخل فى الشئون الداخلية للآخر بما فيها تأجيج الاحتجاجات ودعم العناصر المعارضة والتوقف عن التحركات المستفزة على جانبى الحدود،فانتهاء النزاع سيوفر لكل منهما نفقات طائلة مادية وبشرية لاستغلالها فى مشروعات التنمية التى يعانى شعباهما قلتها وأحيانا انعدامها.كما يتطلب مساعدة دولة مؤثرة مثل الولايات المتحدة التى زار أحد كبار مسئوليها البلدين أخيرا لتذليل العقبات التى لا بد ستواجه التنفيذ.
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع