بقلم - عطيــة عيســوى
مرَّ اليوم العالمى للفتاة «11 أكتوبر» على فتيات إفريقيا دون أن يشعر به أحد، فليس لديهن ما يحتفلن به فى تلك المناسبة، لأن شيئا جوهريا لم يتغير فى حياتهن إلى الأفضل منذ العيد السابق، بل حدث الأسوأ لكثيرات منهن إما بالتشرد نتيجة الصراعات وما يترتب عليها من قتل لعائل الأسرة أو بعض أفرادها وجوع وسوء تغذية وحرمان من التعليم وأمراض لا يوجد لديهن لها علاج أوالتعرض للاختطاف والاغتصاب والزواج بالإكراه وربما البيع بثمن بخس تسديدا لديون أثقلت كاهل الوالدين أو رغبةً فى الحصول على بعض المال لتوفير متطلبات معيشية أساسية كالطعام .فأحوال الأطفال فى معظم الدول الإفريقية بائسة ولا يمر شهر إلاَّ وتطلق منظمة خيرية أو أممية تحذيرا من عواقب استمرار هذا الوضع أو صرخة للإسراع بالعمل لإنقاذ حياتهم. وأوضحت دراسة نشرتها مجلة لانسيت الطبية لفريق من جامعة ستانفورد أن النزاعات المسلحة وما ترتب عليها من جوع وأمراض ربما تسببت فى هلاك خمسة ملايين طفل إفريقى لا تتجاوز أعمارهم السنوات الخمس فيما بين عامى 1995 و 2015.
إحصاءات الأمم المتحدة أوضحت أن الحروب تزيد عدم التحاق البنات بالتعليم بمقدار الضعفين وأن جنوب السودان تصدرت قائمة أسوأ مكان لتعليم الفتيات فى العالم، حيث لا يلتحق 75% منهن بالتعليم الابتدائى بسبب الحرب والعنف وتدمير المدارس والتشريد وأن 38% فقط من بنات مالى يُكملن التعليم الابتدائى ولا يجد ثلثا أطفال ليبيريا فرصة للالتحاق به وأن 1% فقط من بنات بوركينافاسو يُكملن التعليم الثانوى وتحول عقبات اجتماعية واقتصادية كثيرة دون تعليم بنات تشاد وأن 83% من نساء النيجر بين 15و24 عاما غير متعلمات.
وأعلنت منظمة «بلان انترناشيونال» أن الفتيات الصغيرات فى منطقة بحيرة تشاد التى تضم نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر يواجهن العنف والاختطاف والزواج بالإكراه والرفض من عائلاتهن عند تعرضهن للاغتصاب فيتحولن إلى بغايا،كما ذكرت منظمة «أنقذوا الأطفال» أن 25% من حالات زواج الأطفال فى العالم تحدث فى إفريقيا وهو ما ينتهى بالحمل وانقطاع الطفلة عن التعليم وضربت مثالا بالنيجر، حيث يتم تزويج 67% من البنات قبل بلوغ السن القانونية، مشيرةً إلى أن تشاد وإفريقيا الوسطى ومالى وغينيا وسيراليون تشهد معدلات مرتفعة أيضا. وتوقعت اليونيسيف أن يبلغ عدد القاصرات المتزوجات فى إفريقيا 310 ملايين بحلول عام 2050 مقارنةً بنحو 150 مليونا حاليا إذا استمرت التوجهات الحالية.
ومن أمثلة بيع الأطفال بثمن بخس واختطاف واغتصاب الفتيات إحباط شرطة موزمبيق مؤخرا بيع فتاتين لرجلين فى جنوب إفريقيا مقابل 64 دولارا فقط واختطاف مئات التلميذات من مدارسهن فى شمال شرق نيجيريا وتكليف ضابطات شرطة بالخدمة داخل معسكرات المشردين فى ولاية بورنو معقل بوكوحرام بعد اتهام منظمة هيومن رايتس ووتش مسئولى أمن رجالا بابتزاز الفتيات والنساء جنسيا، بل إن هناك ما هو أشد مرارة، حيث كشفت منظمة حقوق المعاقين الدولية عن أن معظم النساء اللائى سألهن مندوبوها عن أطفالهن المعاقين أجبن بأنه قد طُلب منهن قتلهم، لأن أسرهن تعتبرهم لعنةً وعارا عليها. وحذرت منظمة «أنقذوا الأطفال» من أن 200 طفل يمكن أن يلقوا حتفهم جوعا يوميا فى شمال شرق نيجيريا بسبب الصراع مع بوكوحرام وأن نصف الأطفال تحت سن الخامسة فى المناطق التى تمكَّن مندوبوها من دخولها هناك يعانون بشدة سوء التغذية المصحوب بأمراض مثل الأنيميا والملاريا والإسهال وأن الأرقام يمكن أن تكون أسوأ فى المناطق التى لم يستطيعوا دخولها.
يحتاج أطفال إفريقيا الذين لا يبدو هناك أمل فى حدوث تحسن ملحوظ فى حياتهم فى المستقبل المنظور- إذا استمرت الأمور على وتيرتها- إلى الأمان من الحروب والاختطاف والبيع للغير وتزويج الإناث منهن مقابل مبالغ زهيدة أو تسديدًا لديون وإلى التخلص من الفقر المدقع والأمراض وسوء التغذية والتشرد لأنها من الأسباب الأساسية للتسرب من التعليم، بينما أعلنت منظمة اليونيسيف الدولية على سبيل المثال أنها لم تحصل إلا على 13% من احتياجاتها لمساعدة المتضررين فى تشاد ونيجيريا والنيجر والكاميرون. وإن كانت جولة ميلانيا ترامب قرينة الرئيس الأمريكى فى أربع دول إفريقية قبل أسبوع قد سلطت إلى حد ما الضوء على معاناتهم إلاَّ أنه من غير المحتمل أن تسفر حملتها لتحسين الرعاية الاجتماعية والتعليم للأطفال عن تحسن ذى مغزى ما لم تتغير سياسة زوجها بتحجيم المساعدات للدول الإفريقية التى وصف بعضها فى يناير الماضى بالحثالة والأوكار القذرة بسبب تدفق المهاجرين منها وألغى بعض برامج المساعدات الحيوية لإفريقيا واكتفى بالمساعدة فى مكافحة الإرهاب ونشر قوات فى مناطق تنشط فيها الجماعات الإرهابية.
زارت ميلانيا غانا ومالاوى وكينيا ومصر، وهى الدول التى قالت إنها عملت مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لإحداث تقدم في مواجهة أكبر التحديات التي تواجه حملتها «كن الأفضل»، لكن الهدف الذى أعلنته وهو تربية الجيل المقبل ليكونوا سعداء وأصحاء ومسئولين على خلق لن يكتمل إذا استمر تخفيض المساعدات الأمريكية وإذا لم تزد الدول المانحة الأخرى والمنظمات الدولية المختصة مساعداتها وتُحسن الحكومات الإفريقية استخدامها ولا تتركها نهبًا للفاسدين والمرتشين. فقد حذر معهد تنمية ما وراء البحار فى بريطانيا من أن أطفال إفريقيا سيشكلون نصف أطفال العالم الفقراء بحلول عام 2030 بدلا من ربعهم حاليا إذا سارت الأمور على وتيرتها وهو ما يحتاج إلى جهود مضاعفة لتوفير ولو الحد الأدنى لرعايتهم، وهذا لن يتحقق إلا بتقديم الدول والهيئات المانحة مساعدات كبيرة والتأكد من إنفاقها فى الغرض منها.