بقلم - عطيــة عيســوى
كما انتهى اجتماع باريس بين أطراف الأزمة الليبية الأساسيين فى مايو الماضى باتفاق شفوى على إجراء انتخابات عامة ورئاسية فى 10 ديسمبر المقبل بعد الإعداد لها أمنياً ودستوريًا وقانونيًا وأدت الخلافات إلى عدم تنفيذه،انتهى مؤتمر باليرمو بإيطاليا الأسبوع الماضى بوعود غير مكتوبة وأقل تحديداً ومجرد خطوط عريضة سيكون التنصل منها أسهل خاصةً أن طرفاً أساسياً هو خليفه حفتر قائد الجيش أصرَّ على ألاَّ يشارك فيه وهو على بعد أمتار من قاعة الاجتماع.فالخلافات السياسية والعسكرية التى حالت دون تنفيذ اتفاق باريس مازالت قائمة ومن المتوقع أن تمنع تنفيذ الوعود الجديدة إذا لم يحدث تحول جذرى فى مواقف القيادات السياسية والعسكرية يضع مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية والقبلية وهو ما قد يحتاج إلى عمر طويل.
انتهى المؤتمر الذى شارك فيه رؤساء دول وحكومات ووفود تمثل الدول المعنية بالأزمة المستعصية على الحل منذ سبع سنوات بلا نتائج واضحة، فلم يتم التوصل إلى موعد محدد للانتخابات أو لعقد المؤتمر الوطنى الذى دعا إليه المبعوث الدولى غسان سلامة ولا متى سيتم إقرار البرلمان قانون الاستفتاء على الدستور أوالقانون الإنتخابى ولا للإجراءات الأمنية اللازمة أومؤتمر المصالحة.فقد دعا فى بيانه الختامى لنشر قوات نظامية أمنية وعسكرية فى العاصمة طرابلس وخروج الميليشيات منها ونزع أسلحتها وفقاً للترتيبات الأمنية التى وضعتها بعثة الأمم المتحدة،ولا جديد فى ذلك سوى الدعوة للانسحاب من المدينة وهو ما ترفضه الميليشيات حتى الآن، فضلاً عن استحالة نزع أسلحتها إلاَّ فى إطار اتفاق شامل ينص على دمج أفرادها فى الجيش وهو ما رفضه حفتر أو فى الخدمة المدنية بالإضافة إلى عدم توافر العدد الكافى من القوات النظامية لتحل محلها مما يجعل تنفيذ هذا البند محل شك كبير.
كما دعا البيان المجتمع الدولى ليكون مستعدا لفرض عقوبات على الجماعات والأشخاص الذين ينتهكون اتفاق وقف إطلاق النار فى طرابلس أويعرقلون جهود إحلال السلام،وهذا أيضاَ مردود عليه بأن العقوبات لن تجدى مع قادة ميليشيات تحميهم قبائلهم ولا يلقون بالاً لأى تهديدات، لأنه من الصعب الإمساك بهم أومحاكمتهم فى الداخل لعدم وجود جهازى شرطة وقضاء قويين وليس لهم أرصدة فى بنوك أجنبية لتجميدها ولا يسافرون خارج ليبيا حتى يمكن القبض عليهم وإحالتهم للمحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن وجود أطراف خارجية مثل قطر وتركيا تدعم أطرافاً ليبية مثل الإخوان وجماعات متطرفة أخرى مما يجعل تنفيذ العقوبات غير فعال.
أما اقتراح البيان تشكيل غرفة عمليات موحدة وتدريب أفراد الجيش والشرطة وتكثيف التنسيق الإقليمى لمواجهة الهجرة غير الشرعية والإرهاب فهو محل اتفاق بين الأطراف الخارجية ودول الجوار وحكومة الوفاق وقيادة الجيش الوطنى ورئيس البرلمان المعترف به دولياً لكن قياديين فى المجلس الأعلى للدولة برئاسة الإخوانى خالد المشرى وبعض أعضاء مجلس النواب الممثلين للغرب الليبى وكثيرا من الميليشيات المسلحة بما فيها ميليشيات موالية لحكومة السراج يتعاطفون مع الجماعات الإسلامية المتطرفة ويعارضون حملات حفتر لتطهير البلاد منها بما لا يساعد على تحقيق هذا الهدف بفعالية مهما نسقت الدول المجاورة إجراءاتها،فضلاً عن صعوبة تشكيل غرفة عمليات موحدة وسط انفسامات حادة بين القيادات العسكرية والسياسية.
أما عن الإيجابيات فهى ضئيلة ولا تستحق الوقوف عندها كثيراً منعاً لتعليق آمال عليها لا تتحقق،صحيح أن انعقاد المؤتمر أبقى على القضية الليبية محل اهتمام المجتمع الدولى بفضل ثروة ليبيا البترولية التى تجعلها صاحبة أكبر مخزون بترولى فى إفريقيا وأن حفتر اجتمع مع السراج على هامش المؤتمر للمرة الأولى منذ ستة شهور وأعلن - وفقاً للمبعوث الدولي- التزامه بخطة الأمم المتحدة لعقد مؤتمر وطنى فى مطلع العام المقبل قبل إجراء الانتخابات المأمولة فى الربيع،إلاَّ أن مقاطعة حفتر للمؤتمر جعلته فى حِلِ من الالتزام بما ورد فى بيانه الختامى وجعلت المؤتمر عديم الجدوي.يضاف إلى ذلك أن حفتر سبق أن اتفق مع السراج على أمور أكثر تحديداً وجدوى خلال مباحثاتهما فى باريس وقبلها فى أبوظبى بالإمارات ولم ينفذا اى منها واستمرت الخلافات بينهما مما يقلل من أهمية اللقاء حتى ولو كان صحيحاً ما نُسب لحفتر بأنه لا يمانع فى بقاء السراج رئيسا للمجلس الرئاسى حتى انتخاب رئيس حيث لم يُعرف بعد ما إذا كان قد حصل مقابل ذلك على تعهد من السراج بعدم التحالف مع الإخوان الذين يرى أنهم يسعون عبر الانتخابات لاستعادة ما خسروه فى المعارك العسكرية.
مازال تحقيق التوافق بين القادة الليبيين بعيد المنال فى ضوء تصريحاتهم ومواقفهم،فقد قال حفتر إنه لن يشارك فى مؤتمر باليرمو حتى لو جلس بجواره 100 ساعة وإنه حضر للقاء قادة دول الجوار لبحث القضايا المشتركة خاصةً الأمن ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية عبر الحدود المشتركة وما يمكن أن تساعد به بلادهم فى وقف دخول الإرهابيين إلى ليبيا وذلك بسبب مشاركة الإخوان وجماعات متطرفة موالية لتنظيم القاعدة وممثلين عن تركيا وقطر اللتين يتهمهما بدعمهم وبالتدخل فى شئون ليبيا الداخلية.كما كرر رفضه دمج جماعات الإسلام السياسى وميليشيات مسلحة فى الجيش وكذلك إسناد منصب القائد الأعلى إلاَّ لرئيس منتخب وأصر على أن يتم إسناده لمن له صلة مباشرة بالجيش وهو القائد العام خلال الفترة الإنتقالية،أى لنفسه.
وأخيراً،ألم يكن أنفع للشعب الليبى إنفاق تكاليف عقد المؤتمر لتوفير جزء من متطلباته الغذائية والعلاجية الملحة؟.ربما.
نقلا عن الاهرام القاهرية