بقلم - عطيــة عيســوى
أينما ذهبوا سعياً لحياة أكثر أمناً أو أوفر رزقاً طاردهم الموت والابتزاز والاغتصاب والتعذيب.. هانوا على حكومات بلادهم فأصبحوا أكثر هواناً على الحكومات التى لجأوا إلى دولها أملاً فى فرصة عمل تقيهم غائلة الجوع أو توفر لهم مأوى يحميهم من ذئاب الليل ولصوص النهار. فبعد أن ضيَّق عليهم ترامب سبل الوصول إلى أمريكا وتصدت لهم حكومات أوروبا بكل الوسائل لمنعهم من عبور البحر المتوسط والإبقاء عليهم ولو كعبيد يُباعون ويُشترون بثمن بخس فى أسواق النخاسة بليبيا، هاهى حكومة إسرائيل تنذرهم: إما الرحيل طواعيةً قبل أول أبريل المقبل أو السجن والترحيل قسراً حفاظاً على ما وصفها نيتانياهو بهوية إسرائيل.
38 ألف إفريقى معظمهم من إريتريا وجنوب السودان بدأت السلطات الإسرائيلية فى إرسال إنذارات إليهم بأن يختاروا بين الرحيل طواعيةً إلى بلادهم أو دولة ثالثة بتذكرة طيران مجانية و3500 دولار مصاريف جيب ووثائق سفر وتأشيرة دخول، وبين الاحتجاز فى معسكرات حتى ترحيلهم بالقوة معتبرةً إياهم متسللين وليسوا لاجئين رغم قول الكثيرين منهم إن حياتهم ستصبح فى خطر شديد إذا أعيدوا إلى بلادهم التى سيتعرضون فيها لاضطهاد أكبر انتقاماً منهم لهروبهم من فقرها واضطهادها وصراعاتها. أيدتهم فى ذلك منظمات حقوق الإنسان وطالبت السلطات الإسرائيلية بالتراجع عن ترحيلهم متهمةً الحكومة بانتهاك القوانين الدولية والإسرائيلية الخاصة بحماية اللاجئين فى الوقت الذى اعترض فيه أكاديميون إسرائيليون وناجون من الهولوكوست وطالبوا بإعادة النظر فى الخطة، ورفض طيارون من شركة الطيران الإسرائيلية قيادة طائرات تحمل مرحَّلين منهم إلى حيث سيلقون حتفهم على حد وصفهم.
السلطات حاولت دفع اللاجئين إلى المغادرة من تلقاء أنفسهم بقولها إن البلد الذى سيتم ترحيلهم إليه لن يعيدهم إلى بلادهم الأصلية كَرهاً بل سيستوعبهم ويسمح لهم بالإقامة والعمل دون أن تكشف عن اسم ذلك البلد، لكن منظمات حقوقية من بينها منظمة الخط الساخن للاجئين والمهاجرين كشفت عن موافقة رواندا وأوغندا على استقبالهم، كما أعلن نحو ألف لاجئ بالفعل الإضراب عن الطعام احتجاجاً على قرار الحكومة وتظاهر تضامناً معهم ألف لاجئ رافعين شعارات تؤكد أن خطة ترحيلهم إلى رواندا أو أوغندا تعنى الحكم عليهم بالعذاب أو الإعدام. ورغم نفى حكومتى البلدين توقيع أى اتفاق مع إسرائيل إلا أن إعلان رواندا استعدادها لاستضافة 30 ألف لاجئ من الذين عوملوا كعبيد فى ليبيا وماهو معروف عن احتياجاتها هى وأوغندا لمساعدات إسرائيلية فى مجالات الأمن والاستخبارات والتسليح والتدريب والتقنية الزراعية والتعدينية يجعل مثل هذا الاتفاق ثمناً محتملاً دون أن يكون بالضرورة مكتوباً.
يتهم كثيرون إسرائيل بتعمد وصف اللاجئين الأفارقة بالمتسللين حتى لا تُلزم نفسها بتوفير ما ينص عليه القانون الدولى لهم من حقوق، وفى مقدمتها عدم ترحيلهم إلى مناطق الصراعات التى فروا منها لمنع تعريض حياتهم للخطر حتى ولو كان بعضهم، وليس كلهم، قد تسللوا إليها لمجرد تحسين أحوالهم المعيشية أوليتخذوا منها نقطة انطلاق للهجرة إلى أوروبا وأمريكا. وطالبت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة السلطات الإسرائيلية بوقف ترحيلهم قائلةً إن بعضهم أخذ مبلغ الـ3500 دولار واتجه إلى أوروبا عبر شمال إفريقيا مخاطرين بحياتهم معتبرين المخاطرة أهون مما قد يلاقونه إذا عادوا إلى بلادهم.
ومع ذلك فليست أزمة اللاجئين إلى إسرائيل سوى قطرة من أفواج اللاجئين والنازحين المتدفقة من مناطق الصراعات العرقية والقبلية والدينية وبؤر التسلط والقهر والاضطهاد والتعذيب والفقر والجوع والمرض فى العالم عامةً وفى قارة إفريقيا خاصةً. فقد أعلنت وكالة غوث اللاجئين فى يونيو الماضى أن فى العالم 22٫5 مليون لجأوا إلى دول غير دولهم و40٫3 مليون نزحوا داخل بلدانهم و2٫8 مليون طلبوا اللجوء إلى دول أخري. فبسبب الحرب الأهلية بجنوب السودان لجأ مليونان إلى دول الجوار فضلاً عن مليونين مشردين بالداخل، وأعلنت منظمتا اليونيسيف والهجرة الدوليتان أن فى ليبيا 400 ألف مهاجر عالقين فيها من بينهم 9% أطفال، بينما قال موسى فكى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى إن عددهم يتراوح بين 400ألف و700 ألف مهاجر. ووصفت وكالات غوث الأزمة الإنسانية فى الكونغو الديمقراطية بأنها أسوأ منها فى ليبيا واليمن وسوريا حيث تسببت الحروب الأهلية هناك فى تشريد أربعة ملايين منهم 1٫7 مليون فى السنة الأخيرة وحدها وذكر تقرير لمنظمة الهجرة الدولية قبل أيام أن الاشتباكات العرقية بين عرقيتى الأورومو والإثيوبيين من أصل صومالى أجبرت نحو مليون شخص على النزوح منذ عام 2015.
وتحت عنوان (المعاناة فى صمت.. الأزمات الإنسانية العشر التى لم تحظ باهتمام كافِ فى عام 2017) قالت منظمة كير الدولية إن 70 مليون إنسان يعانون أزمات إنسانية بعيداً عن أنظار الإعلام والإغاثة والمانحين فى كوريا الشمالية وإريتريا وبوروندى والسودان والكونغو الديمقراطية ومالى وفيتنام وحوض بحيرة تشاد وإفريقيا الوسطى وبيرو. وأضافت أن هذا العدد يمثل الثلث من 220 مليوناً بحاجة إلى المساعدة الإنسانية ومع ذلك لم يحصلوا سوى على 2% فقط من التمويل اللازم. ويُلاحظ أن سبعاً من المناطق العشر تقع فى إفريقيا.
نقلا عن الاهرامً القاهريه