بقلم - عطيــة عيســوى
لو نفَّذت حركة الشباب المتطرفة إعلانها الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابى فى الصومال بسبب إفساده ما وصفته بالجهاد الجارى هناك لأصبح ذلك هدية 2019 للشعب الصومالى وشعوب القرن الإفريقى، لأنه لن يقطع فقط دابر أفراده قبل أن يستفحلوا عددًا وعُدة وإنما أيضًا الطريق على تدفق المزيد منهم، فضلًا عن أن الصراع بينهما سينهك قوى «الشباب» ويجبرها على الحد من هجماتها الدموية على الصوماليين وربما يحول دون عودة سيطرتها على العاصمة مقديشيو ومدن رئيسية أخرى مثل كيسمايو ويمنع تهديدها دولًا مجاورة مثل إثيوبيا وكينيا ومصالح دول غربية وعربية عديدة فى المنطقة مع اقتراب الانسحاب الكامل لقوات الاتحاد الإفريقى الداعمة للحكومة بحلول نهاية العام.
بيان الحركة الذى نشر موقع «بى بى سى أفريكا» خبرًا عنه قبل أيام دعا مقاتليها لشن هجمات لإبادة مقاتلى «داعش» واصفًا إياهم بالسرطان والمرض القاتل. ويبدو أن قادتها يخشون أن يؤدى توافد الدواعش بأعداد كبيرة بعد هزائمهم فى سوريا والعراق ليس فقط إلى اقتسام الكعكة الصومالية معهم وإنما أيضًا إلى دفع التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب لنقل الحرب إلى الصومال لمنع تحوله إلى ملاذ آمن جديد للتنظيم. وسبق أن شنت الحركة الموالية لتنظيم القاعدة المنافس لداعش هجومًا فى يونيو 2017 على معقله فى جبال «جلجالا» بإقليم بونتلاند المتمتع بالحكم الذاتى فى شمال شرق الصومال عقب انشقاق فصيل عنها وانضمامه إليه.وفى نوفمبر من العام نفسه أعلنت قيادة القوات الأمريكية بإفريقيا «أفريكوم» أن «داعش» يسعى لتوسيع نفوذه فى الصومال منذ أواخر 2015 وأن لديه نحو 250 مقاتلًا فى بونتلاند وأنه شن أول هجوم انتحارى فى بلدة بوصاصو الساحلية فى مايو 2017 بينما قدَّر مراقبون عدد أتباعه بما يتراوح بين 400 و500 فرد فى الإقليم.
«داعش» الذى سبق أن سيطر فى أكتوبر 2017 للمرة الأولى منذ ظهوره بالصومال على بلدة ساحلية صغيرة قرب ميناء بوصاصو فى بونتلاند أعلن فى يوليو الماضى أنه قتل 14 جنديا صوماليًا فى هجوم بالقنابل على بلدة فى إقليم شابيلى السفلى، مما يؤكد وجوده خارج بونتلاند أيضا.ورغم أن خبراء قالوا إن حجم قوته يجعله لاعبًا صغيرًا حتى الآن مقارنةً بحركة الشباب فإن معظم هجماته استهدفت اغتيال أفراد المخابرات والأمن فى العاصمة مقديشيو وبلدة أفجوى بالجنوب الغربى وفى وضح النهار أحيانًا وصعَّد من هجماته عقب خسارته فى سوريا والعراق وبدأ يتمدد تدريجيا من شمال الصومال صوب الجنوب، حيث تتمركز الحركة. وأعلنت أفريكوم فى نوفمبر 2017 أنها نفذت ضربتين جويتين ضد «داعش» وقتلت عددًا من إرهابييه، مما يشير إلى أن واشنطن تأخذ الأمر بجدية ولا تهوِّن من شأنه.وفى أكتوبر الماضى قُتل الرجل الثانى فى قيادة «داعش» مهاد معلم بأيدى مسلحين من التنظيم فيما بدا أنه صراع على النفوذ.ويثير الصراع الدموى الذى بدأ قبل نحو 15 عاما على أراضِ فى منطقة سول بين عشائر فى بونتلاند «بلاد بنط» وأخرى فى صوماليلاند «جمهورية أرض الصومال» التى أعلنت انفصالها واستقلالها من جانب واحد عام 1991 مخاوف من احتمال استعانة أحدهما بداعش لفرض نفوذه على الآخر أو أن يصرف الصراع بينهما انتباه الطرفين عن تغلغله فتستفحل قوته.
أما حركة الشباب التى وصفها البعض بالأكثر دموية بين الحركات المتطرفة فى منطقة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى فينتشر أفرادها فى مناطق ريفية شاسعة فى نحو ثلثى مساحة الصومال، وقدَّرت وزارة الدفاع الأمريكية عددهم بما يتراوح بين ثلاثة وسبعة آلاف فرد. وأعلنت أفريكوم التزامها بالعمل على منع الحركة من الحصول على ملاذ آمن تشن منه هجمات على الشعب الصومالى وتنمى فيه قدراتها بعد أن وصفت الخارجية الأمريكية الصومال بأنه أصبح ملاذًا آمنًا للإرهابيين وأن «الشباب» مازالت تمثل تهديدًا رغم ما أصابها من نكسات. ومنذ تولى ترامب الحكم قبل عامين كثفت واشنطن غاراتها الجوية على مواقع الحركة فارتفع عدد القتلى إلى 400 وهو رقم يعادل عدد القتلى خلال السنوات العشر السابقة مجتمعةً، حيث بلغ عدد الغارات خلال العام الماضى وحده نحو 40 انطلاقًا من القاعدة العسكرية الأمريكية فى جيبوتى المجاورة، بعد أن منح ترامب القوات الأمريكية فى الصومال صلاحيات أكبر لتعقب الإرهابيين دون انتظار موافقة مسبقة من البيت الأبيض.وبلغ التعقب ذروته فى منتصف ديسمبر الماضى عندما أعلن الجيش الأمريكى مصرع 62 من أفراد الحركة فى أربع غارات جوية هى الأعنف منذ مقتل 100 منهم فى غارات خلال نوفمبر 2017.
ونتيجة لتكثيف الضربات الأمريكية وتلك التى وجهتها لتلك الحركة الإرهابية قواتُ الاتحاد الإفريقى بالتعاون مع الجيش الصومالى اضطرت لتعديل تكتيكاتها بالتقليل من شن هجمات كبيرة على القواعد العسكرية وإلى زيادة الهجمات على المكاتب الحكومية ومقار الأمن ومشروعات الأعمال مستخدمةً أسلوب التفجيرات الانتحارية ومدافع الهاون والأسلحة الخفيفة.وبالرغم من تلك الضربات وطرد أتباعها من مقديشيو ومدن اخرى منذ عام 2011 لاتزال الحركة تهيمن على مناطق واسعة فى الريف وتحتفظ بخلايا نائمة فى مدن مثل مقديشيو، مما يمكِّنها من شن هجمات دموية متقاربة على أهداف حيوية، من بينها المطار، حيث توجد قيادة القوات الإفريقية وفنادق يرتادها مسئولون كبار ورعايا أجانب، بالإضافة إلى قصر الرئاسة. ويبدو أن تردى مستوى المعيشة وحجم البطالة المرتفع بين الشباب الذين يشكلون 70% من الشعب والتى وصلت إلى90% بين خريجى الجامعات يوفران لها معينًا لا ينضب من الراغبين فى تأمين لقمة العيش والملبس والمسكن وأحيانًا الحماية فيتعرضون بذلك لعملية غسل مخ تقنعهم بالتحول إلى قنابل موقوتة جاهزة للانفجار فيمَن يخالفهم الرأى.
نقلا عن الاهرام القاهرية