بقلم : عطيــة عيســوى
فى خطوة أخرى تؤكد اهتمام مصر بالتعاون مع الأشقاء الأفارقة للنهوض بالمستوى الاقتصادى والقضاء على العقبات التى تعترض التنمية ورفع مستوى المعيشة أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى فى ختام منتدى إفريقيا 2018 بشرم الشيخ عن إنشاء صندوقين، الأول لضمان مخاطر الاستثمار فى إفريقيا لتشجيع المستثمرين المصريين على المشاركة فى تنمية دولها والثانى للاستثمار فى رأس المال البشرى والبنية التحتية المعلوماتية لدعم التطور التكنولوجى والتحول الرقمى وعن تقديم 250 منحة تدريبية للكوادر الإفريقية فى مجال الوقاية من الفساد وتيسير عمل الشركات الإفريقية فى مصر والتفاوض مع المؤسسات الدولية لدعم البنية الأساسية بما فى ذلك الإسراع بالانتهاء من طريق القاهرة كيب تاون لربط دول القارة وتوسيع حركة التجارة فيما بينها والتعاون المشترك فى مجالات الحوكمة ومحاربة الفساد من خلال تبادل الخبرات وتدريب وتأهيل الأجهزة المعنية.ولو اتخذت كل دولة إفريقية ما تستطيعه من إجراءات فى هذا الإطار لأحدث التعاون فى مجال التنمية فارقا كبيرا فى تطوير البنية التحتية المتخلفة ولتدفقت الاستثمارات المرجوة وتحسَّنت الأوضاع الاقتصادية وأحوال معيشة المواطن الإفريقى الذى مازال فى مقدمة فقراء العالم رغم أن قارته هى الأغنى بالموارد الطبيعية.
إفريقيا تمتلك 40% من موارد العالم المعدنية و60% من أراضيه الصالحة للزراعة غير المستغلة و10% من مياهه العذبة التى لا تستغل منها سوى 1,6% وفقًا لوكالة التنمية الدولية الأمريكية رغم استيرادها 83% من غذائها وتكرار المجاعة فيها، ويرقد بعض دولها على 124 مليار برميل بترول و500 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى تمثل 12%و10% على التوالى من الاحتياطى العالمى، ولدى بعضها 90% من احتياطى البلاتين و50% من الذهب و40% من الألماس.لكن ضَعف الاستثمارات المحلية التى لا تتجاوز 15% من إجمالى الناتج القومى لدولها لا يمكِّنها من استغلال تلك الموارد بالكيفية والسرعة اللازمتين لتحقيق التنمية المنشودة الأمر الذى يتطلب استثمارات ومساعدات مالية وتكنولوجية خارجية.
فخطط التنمية المستدامة تحتاج إلى 2.5 تريليون دولار لا تَقدر الحكومات الإفريقية على توفيرها دون مشاركة من القطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية لمواجهة الزيادة المتوقعة فى عدد السكان إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050 معظمهم شباب يحتاجون إلى فرص عمل وإلى توفير ولو الحد الأدنى من متطلباتهم وإلاَّ سيسخطون ويحتجون وقد يلجأون للعنف والتخريب.لكن دول القارة لا تحصل من الاستثمارات العالمية البالغة 650 مليار دولار سوى على 1,2% بينما تحتاج إلى 150 مليارا سنويا لتجهيز البنية الأساسية لا تستطيع توفير سوى 60 مليارا منها.فإنتاج الكهرباء اللازمة للتنمية،حيث لا تستغل سوى 7% من امكاناتها التى تكفى لإنتاج 300 ألف ميجاوات مما يحرم أكثر من 600 مليون مواطن من الكهرباء، يحتاج لاستثمارات ضخمة، كما أن 98% من الذين يعانون حاليا نقص الغذاء فى العالم أفارقة وأكثر من ثلث سكان القارة بلا مياه شرب نقية و70% بدون صرف صحى.ويعيش معظم أبناء دول جنوب الصحراء بمتوسط دخل يومى للفرد يعادل 1,25 دولار فقط وخلال 15 سنة سيكون معظم فقراء العالم أفارقة، وتوقع تقرير للمنتدى الاقتصادى العالمى أن يزيد عدد العاطلين إلى 50 مليوناً بحلول سنة 2040.
من هنا جاءت أهمية مؤتمرى الاستثمار والتجارة البينية والمعرض التجارى اللذين استضافتهما شرم الشيخ والقاهرة لإعطاء دفعة لتطوير اقتصادات الدول الإفريقية التى لن تنال نصيبها العادل من الاستثمارات الأجنبية إلاَّ إذا هيأت حكوماتها المناخ المشجع لجذبها والتشريعات الضامنة لأموال وممتلكات أصحابها بمكافحة الفساد المستشرى والقضاء على البيروقراطية وتطوير الجهاز المصرفى لتسهيل دخول وخروج رءوس الأموال وأرباحها وانتهاج نظام الحكم الديمقراطى والعمل على إخماد الصراعات العرقية والدينية لتحقيق الاستقرارالداخلى.فمعوِّقات الاستثمار بالدول الإفريقية لا حصر لها وفى مقدمتها البنية الأساسية المهلهلة من طرق وموانىء وجسور والفساد المستشرِى الذى يسمح للفاسدين بنهب مبالغ تصل إلى 25% من حجم الصفقة أحيانا مما يجعل المستثمر الأجنبى يفكر ألف مرة قبل ان يخاطر برأسماله. تضاف إلى ذلك القوانين المتخلفة المعوقة للاستثمار والقيود المفروضة على تحويل عائد الاستثمارات الأجنبية إلى الخارج وتخلف النظم المصرفية وكثرة الانقلابات العسكرية وغياب الأمن والديمقراطية اللازمين للاستقرار والصراعات العرقية والقبلية والدينية والحدودية.وذكر تقرير لمنظمة مكافحة الفقر أن الفساد يعوق الاستثمار الخاص ويقلل معدل النمو الاقتصادى ويزيد تكلفة تنفيذ المشروعات ويحرم الحكومات من موارد ضرورية للإنفاق على الرعاية الصحية والأمن الغذائى والبنية التحتية ويمكن أن يؤدى إلى اضطرابات سياسية بينما الدول التى يقل فيها الفساد تنخفض فيها تكاليف الإنتاج بنسبة 20%.كما أكدت تقارير البنك الدولى وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى ومنظمة الشفافية الدولية أن إفريقيا مازالت أكثر مناطق العالم فساداً وفشلت فى حل مشكلته.
أما عن التجارة البينية بين الدول الإفريقية فلا تتجاوز 150 مليار دولار أى 16% من حجم صادراتها ووارداتها مقارنةً بنحو 64% بين دول أوروبا وفقاً لتقرير منظمة التجارة العالمية،ونأمل أن يعطى معرض القاهرة التجارى الذى شارك فيه نحو 1055 شركة إفريقية دفعةً جديدة للتجارة البينية وتحسين البنية الأساسية.فهناك ثمانى دول فقط من دول إفريقيا الخمس والخمسين تملك بنية أساسية مناسبة للتجارة، ولا توجد بنية تحتية تمكِّن من تصدير منتجات صناعية بالمعايير الدولية سوى لدى مصر وجنوب إفريقيا، بينما تقتصر صادرات بقية دول القارة على الخامات المعدنية والمنتجات الخام الزراعية.كما لا تسهم إفريقيا فى حركة التجارة الدولية سوى بنسبة 2% ولن تزيد حصتها مالم يتم إلغاء الحواجز الجمركية ورفع كفاءة الطرق والموانىء واتخاذ الإجراءات اللازمة لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية بما فيها الحد من الفساد.
نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع