بقلم : عطيــة عيســوى
بعد محاولات مستميتة للجمع بينهما وتهديدات وعقوبات لمن يعوق جهود السلام، التقى رئيس جنوب السودان سيلفا كير وزعيم المعارضة المسلحة رياك مشار الأربعاء الماضى للمرة الأولى منذ انهيار اتفاق السلام عام 2016 فى محاولة جديدة للتغلب على العقبات التى حالت دون توقيع اتفاق سلام نهائى ودائم.لكن الاجتماع انتهى كما كان متوقعا دون اتفاق،فعُمق الخلافات، وانعدام الثقة المتجذر، وحساسية وصعوبة قضايا التفاوض كلُّها أسباب شككت حتى فى إمكانية انعقاده أو تنفيذ أى اتفاق، حيث تبرز العقبات لتفسير أحد الطرفين أوكليهما بعض البنود على خلاف المقصود منها.
مصادر الاجتماع قالت إن خلافات عديدة سادت اللقاء، حيث أكد كير أنه يمكن تعيين نائب أول له من حركة التمرد ولكن لن يكون مشار الذى قال بدوره إن هناك حاجة لمزيد من الوقت لتحقيق سلام دائم ولا يوجد طريق مختصر لتحقيقه وإن فرض اتفاق سلام بالقوة لن يفلح، وأي حوار جاد يجب أن يتم في سياق تسوية سياسية شاملة.كما استمر الخلاف بينهما حول دمج القوات الحكومية والمتمردة وإمكانية حل البرلمان.وأعلنت منظمة إيقاد الراعية للمفاوضات أنه رغم التقدم الذي تحقق في الترتيبات الأمنية إلاَّ أن هناك تباعداً في المواقف حول قضايا الحكم وإن سيلفا كير وافق على اقتراح إيقاد أن تحتفظ الحكومة بنسبة 55% من السلطة وتمنح المعارضة المسلحة 25% وأن تُخصص العشرون بالمائة المتبقية لمجـــموعات المعارضة الأخرى داخل البلاد وخارجها لكن حركة مشار مازالت تتحفظ عليه.
الخلافات تتمثل أيضا فى اعتراض سيلفا كير على ما وصفه بوجود جيشين فى البلد، فى إشارة إلى المسلحين من أتباع مشار، وعلى حل جهاز الأمن كجزء من الترتيبات الأمنية وفى تمسكه ببقاء الحكومة الحالية خلال الفترة الانتقالية التى تنتهى بإجراء انتخابات عامة ورئاسية قبل نهاية سبتمبر المقبل.أما المعارضة المسلحة فأصرت على عودة مشار إلى منصبه كنائب أول للرئيس ورفضت تخصيص 25% فقط من مناصب السلطة لها، وتمسكت بتشكيل حكومة انتقالية جديدة وبترتيبات أمنية تسمح بالاحتفاظ بقواتها حتى يتم انتخاب رئيس وبرلمان جديدين وتشكيل حكومة دائمة وتوحيد القوى العسكرية بما فيها المعارضة المسلحة فى جيش وطنى موحد.
إيقاد التى عقدت خلال الساعات الماضية قمة لبحث كيفية الخروج من الأزمة والضغط فيما يبدو على الزعيمين لإنهاء خلافاتهما تقدمت بمبادرة تنص على تقسيم السلطة بتعيين ثلاثة نواب للرئيس أولهم مشار لقطاع الحكم والثانى لقطاع الاقتصاد، والثالث لقطاع الخدمات على أن يكون الأخيران من المعارضة السياسية وما يُسمَّى بمجموعة المعتقلين السياسيين السابقين وعلى منح معسكر سيلفا كير 55% من المناصب الحكومية و25% لمعسكر مشار و5% لمجموعة المعتقلين السياسيين السابقين والبقية للأحزاب الأخرى.أما عن حكام الولايات فقد نصت على منح معسكر كير 62% ومعسكر مشار 25% والبقية للقوى السياسية الأخرى واقترحت زيادة عدد مقاعد البرلمان من 400 إلى 440 والإبقاء على رئيسه ممَّن يُعرفون بمجموعة الاستوائيين، ومنح منصب نائب الرئيس للمعارضة المسلحة بقيادة مشار.ويتعين على الطرفين تقديم التنازلات المتبادلة للتوصل لاتفاق لإدارة أمور البلاد خلال فترة انتقالية قصيرة تنتهى بانتخابات تأتى بقيادات شرعية جديدة أو حتى قديمة، ويكفى أن الحرب أزهقت أرواح ما بين عشرة آلاف و50 ألف إنسان وشردت نحو ثلاثة ملايين، وألجأت أكثر من مليون إلى دول الجوار وجوَّعت أكثر من سبعة ملايين يمثلون أكثر من نصف الشعب.
بناء على تجارب الماضى ليس هناك ما يؤكد تنفيذ أى اتفاق يتم التوصل إليه،ففى الجولة الأولى من المفاوضات فى ديسمبر اتفق الطرفان على وقف الأعمال العدائية وحماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للذين شردتهم الحرب وانتهكه الطرفان بعدها بساعات، وفى فبراير اتفقا على إعلان مبادئ والتفاوض حول الترتيبات الأمنية واقتسام السلطة خلال فترة انتقالية لكن الحكومة رفضت التوقيع عليه.وعندما عُقدت الجولة الثالثة فى مايو الماضى بعد ثلاثة تأجيلات لم تنته إلى شىء، فكل طرف لا يقبل التعايش مع الآخر إلاَّ بشروطه هو وبعد أن يحقق أكبر قدر من المكاسب له ولقبيلته بصرف النظر عن حقوق الآخرين فى بلد يعيش فيه 57 مجموعة عرقية.
لذلك يحتاج الخروج من حالة الجمود إلى مقترحات جديدة ومتوازنة ومرنة تحقق لكل طرف الحد الأدنى من مطالبه حتى تثمر المباحثات التى من المقرر أن يتابعها الرجلان فى الخرطوم غدا،كما يحتاج لتدخل فاعل وأكثر حزما من دول مؤثرة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وإلى أن ينتهى انقسام دول إيقاد بين مؤيد وداعم لكير مثل أوغندا، ومؤيد لمشار مثل إثيوبيا، وألاَّ يكتفى المجتمع الدولى بفرض عقوبات أوالتهديد والضغط من بعيد لأن الأطراف المتصارعة لم تُلق لها آذانا صاغية فى الماضى.ولولا ما قيل عن أن السفير الأمريكى فى جوبا حذر سيلفا كير من عواقب مقاطعة الاجتماع ولولا استدعاء إيقاد عضوا بالوفد الحكومى المفاوض وتحميله رسالة تطالبه بضرورة الحضور لربما لم يلتق مشار الذى أنهت جنوب إفريقيا إقامته الجبرية وسمحت له بالتوجه إلى أديس أبابا لهذا الغرض.
نقلًا عن الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع