بقلم : عطيــة عيســوى
احتجاجات واسعة ومتلاحقة أقضَّت مضاجع الحكومات ودول الجوار فى بلدان عربية وإفريقية عديدة خلال عام 2017 والأيام الأولى من هذا العام لأسباب تتراوح بين الغلاء وتدهور مستوى المعيشة والبطالة وبين إصرار بعض الحكام على البقاء فى السلطة بوسائل غير شرعية.وإذا لم تسارع الحكومات بالعمل على إنهاء ما يشكو منه مواطنوها أوتخفيف حدته فلن تتوقف الاحتجاجات بل ستستمر حالة الغليان حتى يقع انفجار مدوِ.
فى تونس شهدت مدن عديدة الأسبوع الماضى احتجاجات على ما وصفته المعارضة بميزانية إفقار الشعب التى تضمنت رفع سعر الوقود وفرض ضرائب على السيارات والإنترنت والاتصالات التليفونية والخدمات واقتطاع 1% من رواتب الموظفين لسد العجز فى تمويل الصناديق الاجتماعية فى إطار خطة تقشف اتفقت عليها الحكومة مع الجهات المانحة،وقام المحتجون الذين يطالبون بفرص عمل ومشروعات تنموية ويحتجون على ارتفاع الأسعار بمهاجمة مقار حكومية ومراكز للشرطة وإحراق سياراتها ونهبوا متاجر.الحكومة تعللت بأن البلاد تمر بظروف اقتصادية صعبة، لكنها لم تبذل من وجهة نظر كثيرين جهوداً كافية للحد من الفساد الذى قالت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إنه استشرى بصورة كبيرة منذ الإطاحة بنظام بن على عام 2011، بل إنها تقدمت للبرلمان بمشروع قانون يعفى مسئولين وموظفين كباراً ونحو 400 رجل أعمال فى عهده من الملاحقة الجنائية بدعوى أنهم كانوا مجبرين على ما فعلوه، ولم يحققوا لأنفسهم منفعة شخصية، وذلك بهدف تشجيع المستثمرين والمسئولين الخائفين من اتهامهم بالفساد على اتخاذ القرار وتحصيل مبالغ مالية من المتهمين تزيد معدل النمو الاقتصادى بنسبة 1.2% مما أثار سخط الجماهير.
فى الوقت نفسه وعلى مدى أربعة أيام شهدت العاصمة السودانية الخرطوم وولايات غرب وجنوب دارفور والنيل الأزرق وسنَّار والجزيرة احتجاجات على رفع أسعار سلع أساسية فى حياة المواطن مثل الخبز بناءً على توصيات صندوق النقد الدولى لإنقاذ الاقتصاد المتداعى وتم وفقاً لها خفض قيمة الجنيه بنسبة تزيد على 100%. قوات الأمن تصدت بقوة للمحتجين الذين أشعلوا النار فى إطارات سيارات وأقاموا متاريس على الطرق واعتقلت الكثير منهم وصادرت نسخ الصحف التى انتقدت قرار الزيادة، وقُتل طالب وأصيب آخرون،لكن العنف لم يبلغ ما وصل إليه عام 2013 عندما قُتل أكثر من 80 شخصاً فى احتجاجات على خفض دعم الوقود.
وفى المغرب وقعت احتجاجات عديدة خلال العام الماضى على تدنى مستوى المعيشة وللمطالبة بفرص عمل ومشاريع تنموية بالمناطق المهمشة فى الريف بدءاً من الحسيمة حيث لقى بائع سمك مصرعه هرساً وهو يحاول استرداد سلعته المصادرة من عربة جمع القمامة مروراً بأزمة نقص مياه الشرب بمنطقة زاكوره ثم واقعة الصويرة حيث لقيت 15 امرأة مصرعهن فى صراع للحصول على معونات غذائية على فقراء المدينة، وانتهاءً بمدينة جراده فى الشمال.ولم تكفهم فيما يبدو قرارات الملك محمد السادس بإقالة وزراء ومسئولين لتقصيرهم فى تنفيذ مشروعات تنموية وحرمان بعضهم من تولِّى أى مناصب وزارية فى المستقبل.
أما فى الكونغو - كينشاسا فهدف الاحتجاجات الدموية المتكررة التى قالت الأمم المتحدة إن العشرات قُتلوا فيها،كان أحدثهم سبعة يوم 30 ديسمبر الماضي،مختلف وهو إجبار الرئيس جوزيف كابيلا على التنحى لمماطلته فى إجراء انتخابات كانت مقررة عام 2016 ولعدم تنفيذ اتفاقه مع المعارضة بإجرائها قبل نهاية العام الماضى ثم تأجيلها إلى 23 ديسمبر المقبل بهدف البقاء فى السلطة رغم مرور 17 عاماً على اعتلائها.ويبدو أن المعارضة لن توقف احتجاجاتها بعد أن أيدت الكنيسة مطالبها.
والوضع أسوأ فى توجو حيث تحكم أسرة جيناسيمبى أياديما منذ نحو 50 عاماً مما دفع أحزاب المعارضة مُؤيدةً من رجال الكنيسة للدعوة فى أغسطس الماضى لسلسلة مظاهرات لإجبار جيناسيمبى على التنحى بشكل فورى وإعادة العمل بدستور 1992 الذى يقيِّد مدة حكم الرئيس بفترتين فقط قائلةً إن الحكومة تريد تعديل الدستور بشكل يسمح له بالترشح بأثر رجعى لفترتين أخريين عامى 2020 و2025.ونظراً لعناده وإصرار 14 حزباً معارضاً على تخليه عن السلطة حذر قادة دول غرب إفريقيا من خطورة انعدام الاستقرار السياسى على توجو وجيرانها فى ضوء امتداد الاحتجاجات إلى معقل الأسرة فى الشمال ومصرع نحو 200 محتج خلال حملة حكومية لقمع احتجاجات المعارضة عام 2005.
وفى تطور نادر شهدت العاصمة الإريترية أسمرة فى نوفمبر الماضى احتجاجاً لطلاب مدرسة إسلامية على مطالبة الحكومة بعدم تدريس مناهج دينية وبحظر الحجاب وعدم الفصل بين البنين والبنات وهو ما رفضه مجلس الإدارة بشدة وذكرت تقارير أنه تم اعتقال رئيسه وأعضائه وبعض أولياء الأمور وتفريق المحتجين وحبس بعضهم وقطع خدمة الإنترنت.
وبينما قالت الحكومة إنها مظاهرة صغيرة نظمتها مدرسة واحدة وتم تفريقها بلا خسائر ذكرت السفارة الأمريكية أنها تلقت تقارير عن إطلاق نار فى مناطق عديدة.وقالت مصادر إن الحكومة تحاول تغيير طبيعة الدراسة فى كل المدارس القائمة على أساس دينى بما فيها التى تديرها الكنائس وهو ما أغضب جميع الجماعات الدينية.