بقلم - محمد صابرين
لن يطول الانتظار، فخريف نوفمبر سوف يكشف مصير عملية خلط الأوراق بالمنطقة. وأغلب الظن أن عملية قتل الصحفى السعودى جمال خاشقجى قد عقدت أوراق البعض، إلا أنها أسهمت فى تحريك الكثير من المياه الراكدة. وهنا نرصد سبعة ملفات أساسية تهيمن على أوراق اللعب بالمنطقة: حرب اليمن، أزمة الخلافات بين دول الخليج وقطر، تطبيع العلاقات مع تركيا واستعادتها للتحالف الغربى، وأزمة سوريا، والمسألة الكردية، ومصير الإسلام السياسى فى المنطقة، وأخيرا التحالف الإستراتيجى فى الشرق الأوسط الناتو العربى وتجهيز المسرح لمواجهة مفتوحة مع إيران. ومثلما أوضحنا فنحن فى الفترة القصيرة الماضية شهدنا إعادة خلط الأوراق مرة أخرى، ولا يبدو فى الأفق سوى تحركات يسيرة إلى الإمام، وسط مؤشرات جدية بصعوبة حدوث اختراقات هائلة فى القضايا المزمنة مثل الصراع الفلسطينى الإسرائيلي، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، كما أن التورط فى حرب عسكرية مفتوحة مع إيران، بما تحمله من مخاطر على أسعار النفط العالمية، وتهديد لاقتصاديات الهند والصين وبقية الدول الصناعية، أمر يفوق جموح الإدارة الأمريكية, وتحريض وبلاغة بنيامين نيتانياهو، كما أن العقلاء فى المنطقة، وبمساعدة دول مهمة مثل روسيا والصين وفرنسا وألمانيا وبقية دول الاتحاد الأوروبى لن تسمح بالمضى بعيدا فى مغامرة خطيرة بإشعال حريق كبير فى الشرق الأوسط. ومن هنا على الأرجح سوف نشهد لغة صاخبة بل ربما عنيفة، وتصلبا فى المواقف المعلنة, ولكن كل ذلك من أجل تحسين الشروط, وتحسين العائد من الصفقة أو الصفقات التى يجرى التفاوض حولها الآن. وليس فقط صفقة إغلاق خاشقجى، بل صفقة اليمن, إلا أن ذلك لا يعنى أن الغرب سوف يتخلى عن ورقة الإسلام السياسى، فالأرجح أن يضعها جانبا إلى حين، كما أن ورقة الإرهاب ستظل حاضرة وفاعلة، ولن يتم التوقف عن الحروب الصغيرة بالوكالة، وسيتم اللجوء لعملية الاحتواء وأساليب الحرب الباردة الجديدة ضد إيران وحلفائها.
ولعل خريف نوفمبر سيقول لنا أمرين: مدى نجاح العقوبات الأمريكية ضد طهران، ومدى قوة ترامب بعد انتخابات التجديد النصفى للكونجرس. وأغلب الظن أنه لو كسب الديمقراطيون مجلس النواب، وخسر الجمهوريون مجلس الشيوخ أيضا ،أو حتى احد المجلسين فإن ذلك يعنى دخول ترامب مرحلة «البطة العرجاء»، وبدء سباق الترشح للرئاسة الأمريكية مبكرا جدا.وليس بعيدا عن ذلك تعثر صفقة القرن ومشروعات أخري، والأرجح أن يتم اللجوء الى منتديات موسعة للكلام لإدارة الأزمات عوضا عن حلها. والآن دعونا نرصد بعض تطورات عملية اعادة تدوير أو اللعب بالأوراق فى المنطقة.
أول ما يلفت النظر دعوة وزير الدفاع الأمريكى ماتيس إلى إنهاء الحرب اليمنية، و حيث قال على هامش مؤتمر البحرين للأمن: يجب أن نبدأ فى شهر نوفمبر، فى التفاوض حول القضايا الجوهرية. التسوية يجب أن تحل محل القتال. وكشف عن أن التسوية ترتكز على تقسيم اليمن إلى مناطق تتمتع بحكم ذاتى بعد عملية تدريجية لنزع السلاح، وأن الجزء الأول من المعادلة هو ضمان أن تكون الحدود منزوعة السلاح، وألا يكون هناك سوى الجمارك وشرطة الحدود لتسريع تدفق البضائع ، وحركة الناس بشكل قانونى. أما الجزء الثانى فهو نزع السلاح وفق جدول تدريجى طويل. فليس هناك حاجة إلى صواريخ توجه فى أى مكان فى اليمن بعد الآن.
ويرى ماتيس: وإذا فعلنا ذلك، أعتقد أن الحوثيين لن يجدوا وقتا أفضل للحصول على مستوى ما من الحكم الذاتي. وأشار إلى أنه يمكن للأمم المتحدة أن تضع هذا الإطار، مادام لن نرى إيران تستخدم دولا أخرى كطرق جانبية سريعة لإخراج أسلحتها المزعزعة للاستقرار، وتعطيل الحركة التجارية فى الخليج أو إطلاق الصواريخ على أهداف مدنية فى السعودية. ومن جانبها قالت فرنسا إنها تمارس ضغوطا بالتعاون مع الأمم المتحدة، من أجل الوصول إلى حل سياسى فى اليمن، لأنه لا فائدة من الحل العسكري. وتزامن ذلك مع توجيه أمير الكويت صباح الأحمد تحذيرات إلى كل من السعودية وقطر وباقى الدول المتورطة فى الأزمة الخليجية، وقال إن انهيار مجلس التعاون الخليجى هو تصدع لآخر معاقل العمل العربى المشتركة. و ضرورة أن يعى كل أطراف الأزمة الخليجية مخاطر التصعيد. وأشار إلى أن دولة الكويت، ليست طرفا ثالثا فى الأزمة الخليجية. ومن جانبه قال وزير خارجية تركيا جاويش أوغلو إن قطر تجاوزت آثار المقاطعة، وتركيا تنظر إلى دول الخليج كعائلة، ويتم حل الخلافات بين أفراد الأسرة من خلال الحوار. ويأتى ذلك وسط أنباء عن دخول الأردن على خط الوساطة بين السعودية وقطر بعدما نجحت فى تبريد الجبهة ما بين تركيا والسعودية. وتشير التقارير الواردة من عمان إلى المجاملة الكبيرة من محمد بن سلمان ولى العهد السعودى لتركيا وقطر فى مؤتمر دافوس الصحراء الذى عقد بالرياض أخيرا، وأن الأردن نجح فى إقناع قطر بتخفيف الجزيرة لتغطية قضية خاشقجى بنسبة 40%. وأغلب الظن أن المصالحة مع تركيا وقطر مسألة طويلة ومعقدة ترتبط بملفات معقدة مثل مستقبل مشروع الإسلام السياسى فى المنطقة، والمسألة الكردية، والحل فى سوريا والتحالف الإستراتيجى فى الشرق الأوسط، والعلاقة مع طهران.
ويبقى أن آخر ما يلفت الانتباه فى نهاية المطاف أن بوتين والسيسى التقيا للمرة التاسعة، ووقعا على اتفاق الشراكة الشاملة والتعاون الإستراتيجى بين البلدين، وذلك تزامنا مع الذكرى الـ 75 لإقامة العلاقة المصرية الروسية. لا أحد يعتقد أنها صدفة بل استعادة الحليف الروسى القوى والصديق منذ فترة كبيرة للشعب المصرى ، فلا أحد يعرف ما تحمله الأيام؟!.
نقلا عن الاهرام