بقلم - محمد صابرين
تقترب «لحظة الحقيقة» بقوة في منطقة الخليج، فقد وصل التراشق بالتهديدات ما بين واشنطن وطهران إلي أبعد مدي، وباتت سمعة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علي المحك، وذلك بعدما عاد ليترك الباب مواربا مع طهران، بعد يومين من تهديدها بـ«عواقب وخيمة.. لم تشهد مثيلها من قبل عبر التاريخ». وقال ترامب يوم الثلاثاء 24 يوليو للمحاربين القدامي: «سنري ماذا سوف يحدث، لكننا مستعدون للتوصل إلي اتفاق حقيقي، وليس الاتفاق الذي توصلت إليه الإدارة السابقة الذي يمثل كارثة» ـ وذلك في إشارة إلي الاتفاق النووي مع طهران الذي ألغاه في مايو الماضي ـ وسارعت طهران إلي رفض شروط ترامب، وأحسب أن الكثيرين باتوا يدركون الآن أن «التهديدات» وخطوات «حافة الهاوية» من قبل ترامب عادة ما تمهد المجال لعملية تفاوض. ولقد رأينا ذلك مع كوريا الشمالية، والاتحاد الأوروبي.. إلا أننا حتي اللحظة لم نشاهد «المحصلة النهائية» لمثل هذه الطريقة. وعلي أي حال ثمة أمور كثيرة وقعت يمكنها أن تشير إلي أن مسار المواجهة العنيفة مع طهران ربما يؤدي إلي «تفاوض»، وصولا إلي «صفقة كبري»، وبالرغم من ذلك فإن ثمة احتمالاً أن تدفع عوامل داخلية خاصة بترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نيتانياهو وآخرين في الدول العربية إلي الهروب للأمام، وتفجير حريق كبير في الشرق الأوسط بحرب مع إيران، علي أي حال سنحاول هنا أن نركز علي بعض الشواهد التي تدفع للاعتقاد بأن لحظة الحقيقة تقترب من «حل تفاوضي».
وأحسب أن النقطة الأولي تتعلق بالكيفية التي تدير بها »المؤسسة العميقة« صراعاتها مع بقية الشركاء والخصوم والأعداء علي حد سواء، وليس هناك أوضح من جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي. فقد وعد بأن «تعمل القوات المسلحة الأمريكية دائما علي ضمان أن يتحدث الدبلوماسيون الأمريكيون من موقع القوة».
ومن هنا يتضح أن استعراض القوة والتهديد يسبق التفاوض، وكثيرا ما يصاحب عملية المفاوضات، إلا أن المهم هنا هو التوقف عند مصادر التهديد، أو أهم ثلاثة مخاطر للأمن القومي الأمريكي وفقا للإستراتيجية الجديدة وهي: طموحات روسيا والصين، وأعمال إيران وكوريا الشمالية، وكذلك الإرهاب الدولي.
ولعل النقطة الثانية هي تغريدات حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر السابق التي دعا فيها دول الخليج إلي العمل من أجل أرضية للتعاون المشترك مع إيران، وتجنب الوصول إلي عداء مطلق معها. وكتب بن جاسم »بالأمس كنا نراهن علي أن الغرب وأمريكا لن يتفقوا مع إيران، ثم وجدنا أنفسنا أمام الاتفاق النووي الذي أيدته كل دول المجلس«. وأضاف »اليوم هناك تصعيد من قبل أمريكا ضد إيران، وبعض الدول التي أيدت الاتفاق السابق، ويتم استخدامها من قبل الغير، دون إدراك منها أنه قد يكون هناك اتفاق آخر، وأنها ستؤيد ذلك«. وهنا لابد من التأكيد من جانبنا علي أهمية وجود »الجانب العربي« في أي مفاوضات مقبلة مع طهران، وأحسب أن مصر مهيأة أكثر من غيرها لبدء »عملية تفاوض سرية« مع طهران من الآن لبحث جميع الملفات المثيرة للخلاف مع طهران نيابة عن الدول العربية.
وتبرز النقطة الثالثة وسط كل الغيوم والتطورات المتلاحقة بشأن سوريا وغزة واليمن، التي يجمعها خيط رفيع يتعلق بوجود طهران، ولأنه مسرح عمليات متشابك، فإننا بدأنا نسمع »نغمات جديدة«، وخلاصتها »التعب من المواجهات العسكرية«. وكان لافتا أن يغرد الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله بقوله »بعد 4 سنوات اتضح أنه لا يمكن كسب الحرب في اليمن بضربة عسكرية قاضية«، وأضاف علي تويتر »قد تستمر الحرب 4 سنوات أخري بثمن سياسي وإنساني باهظ، لذلك إذا أمكن عودة الشرعية إلي صنعاء بالمفاوضات فأهلا بالحل الدبلوماسي«، وأشار إلي أنه مع وقف الحرب وعودة جنود الإمارات إلي أرض الوطن. وتزامن ذلك مع تصريح يوسف العتيبة سفير الإمارات بالولايات المتحدة إلي أنه ناقش مع مارتن جريفيث المبعوث الأممي إلي اليمن »انسحاب القوات الإماراتية« من اليمن، وأبدي تذمر بلاده بسبب رفض الولايات المتحدة لتقديم دعم إضافي للتحالف العربي في الساحل الغربي.
وهنا يثور التساؤل المشروع: لماذا لم تزود واشنطن دول التحالف بصور الأقمار الصناعية لأماكن إطلاق الصواريخ الحوثية؟!. والسؤال الآخر: أين هي القوات الأمريكية بأسطولها وقدراتها وهي تشهد اعتداء الحوثيين علي ناقلتي نفط سعوديتين الأربعاء الماضي بعد عبورهما باب المندب. تري هل واشنطن غير قادرة أم غير راغبة في تأمين إمدادات النفط أم ترغب في تصعيد جديد حتي تبيع مزيدا من الصواريخ؟، وأحسب أن الضيق الإماراتي المعلن يشير إلي أن دول الخليج بدأ صبرها ينفد من المراوغة الأمريكية؟!.
وأحسب أن النقطة الرابعة تتعلق بأوراق لعب طهرن وواشنطن، وأولي أوراق طهران ـ إلي جانب الميليشيات الشيعية في بؤر الصراع ـ القدرة علي غلق مضيق هرمز، وهو أحد أهم طرق نقل النفط في العالم، حيث إن ثلث حركة ناقلات النفط العالمية ـ التي تحمل 18.5 مليون برميل من الخام والمكثفات ـ يمر عبر المضيق يوميا. وحذر قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني واشنطن من ارتكاب أي حماقة، وقال »البحر الأحمر الذي كان آمنا لم يعد اليوم آمنا للوجود الأمريكي«. وكشف عن أن الأمريكيين طالبوه شخصيا بعدم مهاجمة قواته في العراق.
وفي المقابل.. تلعب واشنطن بـ 4 أوراق، أولها: حملة تحريض داخل إيران ضد النظام، وثانيتها: تحريك الأقليات غير الفارسية وغير الشيعية، وثالثتها: إطلاق كميات ضخمة من المخزون النفطي الاحتياطي يؤدي إلي تخفيض الأسعار إلي معدلات مدمرة للاقتصاد الإيراني، ورابعتها: فرض حصار اقتصادي ومزيد من العقوبات الاقتصادية. وتأمل واشنطن إما بتعديل سلوك النظام أو انهياره من الداخل أو «التورط في حرب تغيير النظام الإيراني» بالقوة.
ويبقي أن لحظة الحقيقة تقترب بشدة وسط حالة من التعب، وعدم قدرة المنطقة علي تحمل مزيد من الحرائق. كما أن أوروبا وروسيا والصين وبقية دول العالم تري أنها لم تعد تتحمل نزوات ترامب، وطريقته الفريدة في إثارة الزوابع، والمعارك الكلامية مع الحلفاء والخصوم، كما أن »الأسواق« واقتصاديات بقية العالم لم تعد تتحمل سياسة »حافة الهاوية«، إلا أن العالم العربي والقوي المعتدلة فيه عليها أن تتراجع إلي الوراء قليلا وتتأمل المشهد العربي، وحصيلة السنوات من 2003 وحتي الآن، وتراجع حصيلة ما حدث من التورط في مستنقع أفغانستان ـ الذي أفرز الإرهاب ـ ثم حرب الخليج الأولي ما بين طهران وبغداد، وبعدها حرب الخليج الثانية «غزو العراق الكويت»، وبعدها بسنوات غزو أمريكا العراق، والآن »أم المعارك« الحقيقية »مواجهة مع إيران«.. تري هل من المصلحة إشعال الخليج والعالم العربي كله.. سؤال للعقلاء؟!.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع