بقلم - محمد صابرين
بعد مرور 45 عامًا على نهاية حرب 1973 لا تزال الكوابيس تلاحق النخبة الإسرائيلية، ومازالت مصر وأمتها العربية صامدة بنشوة ملحمة الانتصار. إلا أن المثير للدهشة أن البعض هنا، بدوافع الغفلة أو بسوء نية، ينجرف فى حملة خبيثة تحاول أن تشوه ذاكرة أمة، وأن تشوش عقول أجيال عدة بشأن أحدى أعظم اللحظات فى تاريخنا الحديث.. لحظة توحدنا ورفضنا الهزيمة وإيماننا بأننا أمة لا تموت.
ومرة أخرى تحية للرجال الذين صنعوا الانتصار من قلب الهزيمة ومازال نصرهم يفجر العواصف داخل الدولة العبريّة، حيث يختلِف المؤرّخون والباحثون والمُحلّلون حول أمورٍ عدةٍ بشأن نصر أكتوبر 73، وفى مُقدّمتها فشل المُخابرات الإسرائيليّة فى معرفة وقت الحرب، وما إذا كانت مصر وسوريا ستقومان بمُهاجمة إسرائيل بصورةٍ مُباغتةٍ، وفى سياق النقاش الدائر حول ما جرى فى الطريق إلى يوم الغفران، أكّد المؤرخ الإسرائيلي، يحيعام فايتس، أنّ الأجواء التى تسود إسرائيل اليوم، تُشبه بشكلٍ مُخيفٍ الأجواء التى سادت خلال عام 1973.وأشار فى مقال له بصحيفة هاآرتس يوم الأربعاء الماضى إلى حديثٍ إسرائيليٍّ حول نشاط جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر، وأوضح أنّ متحدّثين تطرّقوا إلى المناخ الذى ساد إسرائيل قبل تلك الحرب، وسلوك قيادتها فى تلك الأيام، والأمور التى شكلّت الشرط الرئيسيّ لاندلاع الحرب.
وأوضح فايتس ثلاثة أمور خلقت مناخ الثقة المفرطة لحظتها وهي: أولا: شعور النشوة الذى ساد فى إسرائيل فى تلك الأيام، مدللاً على ذلك بما ورد فى إعلان انتخابيّ للكنيست، نُشِر قبل بضعة أيام من اندلاع الحرب، وجاء فيه: على شفا قناة السويس، يسود الهدوء. ثانيا: قوة جولدا مائير رئيسة الحكومة، وصلاحيتها الكبيرة جدًا لدرجة أنّ أعضاء حكومتها لم يتجرأوا على مناقشة مواقفها، وساد الشعور فى حينه، بأنّه لا يوجد أيّ بديلٍ لحكمها، لا فى حزبها ولا فى المعارضة. ثالثا: لم يجرِ نقاش جوهريّ حول الافتراض الأساسى لسياسة الأمن، التى بلورتها مائير ووزير الدفاع موشيه ديان، والتى رأت أن مصر ليس لديها أيّ إمكانيةٍ لاجتياز قناة السويس، وإنّ الجيش الإسرائيليّ هو جيش لا يمكن هزيمته والوقت يعمل لمصلحة الدولة العبريّة.
وهنا يخلص المؤرّخ الإسرائيلى إلي أنّ حرب 1973، حطمّت مناخ النشوة الواثق بالنفس، والمتحجر الذى ساد فى حينه، والذى أدى إلى نهاية الحكم الطويل لحزب العمل. هذه شهادة مؤرخ إسرائيلى بعد 45 عاما من نهاية الحرب.
من جانبه اعترف بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى بخداع المصريين قبل 45 عاما، أخطأت الاستخبارات العسكرية حين فسرت بشكل خاطئ النيات المصرية والسورية لشن حرب علينا. حين اتضحت صحة تلك النيات ارتكب النسق السياسى خطأ كبيرا حين لم يسمح آنذاك بشن ضربة استباقية. وقال بالتقصير فى هذه الحرب كان كبيرًا، ومقاتلونا كانوا يضربون كفا بكف، وفقا لما نقلته عنه صحيفة يسرائيل هايوم والقناة الثانية الإسرائيليتان. وأضاف خلال مراسم إحياء ذكرى القتلى الإسرائيليين بجبل هرتسل بالقدس: المعركة لم تندلع بسبب نيات أعدائنا فقط، وإنما بسبب فشل قياداتنا، وعدم القدرة على تمييز الخطر فى وقته، وعندما علمنا بالخطر كان ينقصنا الاستعداد للعمل ضده بشكل فوري، لقد كان التقصير كبيرا من جانبناا.
وقال: من ضرب الكف بالكف فى ساعات الاختبار تلك، كان مقاتلونا على الجبهتين المصرية والسورية، على الرغم من الزلزال الكبير الذى ضربنا، والذى دفعنا مقابله ثمنا مؤلما وباهظا ليس له مثيل، و ما زال الألم محفورا فى قلوبنا، ألم الفقد والخسارة، ألم الاشتياق والحنين، والذى لم يشف منذ نهاية الحرب.
ولا تتوقف الشهادات المريرة من قادة إسرائيل والتى تعكس حجم الإحساس بالخديعة من قبل السادات، فها هو أحدهم يقول: كان واضحًا أن الحرب قادمة، كان هذا أحد تصريحات شلومو هلل، وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى خلال حرب أكتوبر، الذى أدلى به فى مقابلة مع صحيفة «معاريف» فى 2014، وذلك فى اعتراف جديد بلسان القادة الإسرائيليين، بمفاجأة مصر التى شلت تل أبيب وقواتها فى هذه الحرب المجيدة. وفى سؤال من الصحيفة: لماذا لم تستعد تل أبيب للمعركة؟، قال الوزير الأسبق: كنا فشلة على صعيد التفكير، كان لدينا كثير من الدلائل والإشارات على أن الحرب ستنشب قريبا، وسيهاجمنا المصريون والسوريون، دلائل وإشارات بإمكانها إيقاظ الموتى من سباتهم، إلا أنه مقابل تلك الإنذارات والتحذيرات كانت هناك حالة من التهاون والإهمال الجسيم الكبير والاستثنائى فى صفوف الجيش والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، كان لا بد أيضا أن تعلن تل أبيب التعبئة العامة لقوات الاحتياط الإسرائيلية، وهذا لم يحدث.
واعترف شلومو بأن إيلى زاعيرا، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، مسئول عن هزيمتنا فى تلك الحرب، لقد التقيته قبل الحرب بشهور، وبالتحديد فى فبراير 1973، سألته: ماذا يحدث إذا بدأ المصريون هجومًا علينا فى شتاء هذا العام، ولم يستطع سلاح الجو الإسرائيلى صدهم والوقوف أمام تقدمهم؟ حينها رد عليّ زاعيرا بأننى يجب أن أثق به، وهو ما فعلته، وشعرت بأن هذا السؤال الذى طرحته عليه كان سخيفًا، لقد وثقت به كما وثق به كل الإسرائيليين.
يبقى أن علينا جميعا أن نعيد التأمل فى معنى الوطن، وأهمية حفاظ أى أمة على ذاكرتها الجماعية بمنآى عن عبث الخونة والعابثين والمغامرين والمتحذلقين، والذين لا يتورعون عن بيع الوطن وتشويه أعظم لحظاته وأعظم أجياله جيل 73 مقابل حفنة من الدولارات أو نظرة بائسة من الغرب.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع