بقلم - محمد صابرين
البعض يراهن على صفقات كبري، وأبرزها «صفقة القرن» بشأن القضية الفلسطينية، والأخرى الأشد إلحاحا تتعلق «بصفقة ضخمة» بإخراج إيران من سوريا مقابل إلغاء العقوبات المفروضة على روسيا بسبب ضم جزيرة القرم وتصاعد الحديث عن الصفقة قبل ساعات من قمة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والرئيس الروسى فلاديمير بوتن فى هلسنكى عاصمة فنلندا غدا، إلا أن الأمر المرجح أن «الأمور سوف تمضى كالمعتاد فى طريقها»، ولن يحدث «الاختراق الكبير» ويبدو أن المنطقة عليها أن تتحوط وتستعد «لزيادة التوترات» وليس لعملية انفراج كبيرة فى قضايا المنطقة. وأحسب أن اطلاق بالونات الاختبار بشأن مثل هذه الصفقات ينبغى ألا يأخذ أعيننا بعيدا عن «قدرات اللاعبين» .. إذن كيف يمكن قراءة المشهد؟!
أغلب الظن أن النقطة الأولى فى المشهد تتعلق بقمة حلف شمال الأطلنطى الأخيرة فى بروكسل، وهنا نلاحظ أن الخلاف يدور حول زيادة الإنفاق الدفاعى لا تقليله كما أن النتيجة النهائية للقمة هى «تجديد التزام دول الحلف بزيادة الإنفاق العسكرى إلى 2% من اجمالى الناتج المحلي، والمدهش أن ترامب يطالب برفع هذه النسبة من 2% إلى 4% ورغم التراشق مع ألمانيا التى لم تصل إلى النسبة المطلوبة بعد، إلا أن ترامب يؤكد للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أن «لا قطيعة مع أوروبا» ووسط حالة الصخب والحديث عن نهاية حلف الأطلنطي، فأن سكرتير عام حلف شمال الأطلنطى ينس ستولنبرج كشف الأمر كله بتأكيده، عقب القمة أنه على مدى عقود منذ نهاية الحرب الباردة، خفضت دول الحلف ميزانيات الدفاع بسبب تراجع التوترات، لكن الوضع الحالى يستلزم زيادتها فى وقت تتصاعد فيه التوترات، وهنا فإن دول الحلف الـ 29 ترى مزيدا من التوترات، ونحن فى منطقتنا نعيش فى قلب هذه الأزمات، والصراعات مما يستلزم منا ـ خاصة فى مصر ـ المزيد من الحرص على جاهزية قواتنا وتسليحها للدفاع عن الوطن، وحماية حدوده من أى مغامرات لأى قوي.. فالضعف يغوى بالعدوان، والقوة تردع من يفكر فى الاعتداء.
ولعل النقطة الثانية تتعلق بصفقة، «اخراج إيران من سوريا» مقابل «ضم القرم» لروسيا ورفع العقوبات. ولن يكون مستغربا أن معظم ما يتم تداوله هو من مصادر إسرائيلية، وأن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نيتانياهو هو من أعلن مرارا أنه يريد خروج إيران من كل الأراضى السورية، وتقول صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن نيتانياهو تفاهم مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على استمرار ضرب أهداف إيرانية ولحزب الله طالما لا يتم الاشتباك مع القوات الروسية فى سوريا، وتذهب صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية ـ نقلا عن مصادر سياسية إسرائيلية ـ إلى أن «المصلحة الأساسية لروسيا هى بقاء نظام بشار الأسد، ومصلحة إسرائيل الأساسية هى إبعاد إيران عن سوريا،والتسريبات تذهب إلى بقاء الأسد وبقاء القواعد العسكرية الروسية فى حميميم وطرطوس، وإلغاء العقوبات على روسيا والاعتراف بضم القرم، وحل الأزمة مع أوكرانيا.. إلى آخر مثل هذه الوعود.
وبالرغم من جاذبية الوعود إلا أن السؤال البديهى يقول من خسر الحرب، ومن كسب الأرض، والأهم من الذى على استعداد للقتال على الأرض وذلك من أجل تغيير المعادلات وهنا الإجابة واضحة: روسيا وإيران وسوريا الأسد هم من كسب الحرب حتى الآن، والطرف المقابل ونقصد الولايات المتحدة وإسرائيل وجماعات النصرة والمعارضة وبعض الدول العربية خسرت. والسؤال هل إسرائيل مستعدة للتدخل فى الحرب الأهلية السورية والغوص فى المستنقع السوري؟ والاشتباك مع إيران والميليشيات الشيعية وحزب الله، وهل واشنطن مستعدة لزيادة قواتها ووجودها. والإجابة حتى الآن «على الأرجح لا» وهنا السؤآل ترى لماذا تدفع روسيا لبقاء الأسد، والرجل بات فعلا من الذين كسبوا الجولة حتى الآن، أما مسألة القرم فقد جرى ضمها، ولن يتغير الوضع، أما العقوبات فإن الدول الأوروبية. ـ خاصة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ـ تقول بضرورة التفاهم مع روسيا.
ـ.ـ و أما بالنسبة لروسيا فإنها وصفت مطلب نيتانياهو بإخراج إيران بأنه ِِليس واقعيا مثلما قال وزير الخارجية سيرجى لافروف. وأحسب أن هناك عدة أسباب واقعية تجعل روسيا لا تتجاوب مع مثل هذه الصفقة: أولا: لأن واشنطن ترامب لاتحترم اتفاقياتها، وثانيا: قوة إيران تخدم مصالح روسيا الاستراتيجية، وهى لن تتخلى عن طهران مثلما لن تتخلى الصين عن كوريا الشمالية، وثالثا: لأن وجود إيران وسوريا الأسد ضمن التحالف معها يعزز من فرص عودة «التعددية القطبية»، ورابعا: التخلى عن إيران سوف يضعف مصداقية روسيا، خامسا: سوريا كانت بوابة العودة إلى الشرق الأوسط، وإيران عززت من مكاسب روسيا فهل تتخلى عن هذه المكاسب، وسادسا: ماذا لو رفضت إيران الانسحاب؟! وهنا سؤال مشروع: ولماذا لاتفكر روسيا بأن الغرب وإسرائيل يرغب أن فى تورط روسيا فى مستنقع سوريا، وذلك بتفجير «نزاع مسلح» بين موسكو وطهران والميليشيات الموالية لها. وأغلب الظن أن روسيا سوف تجادل بأن إيران دخلت بناء على طلب الأسد، وأن أقصى ما يمكن أن تفعله هو أن تعمل على إبعاد قوات إيران بعيدا عن حدود سوريا مع إسرائيل.
ـ.ـ ولعل النقطة الثالثة تتعلق بصفقة القرن بشأن القضية الفلسطينية، والآن فإن التسريبات الإسرائيلية تتحدث عن تحمل مصر لمزيد من المسئولية عن غزة. ويقول اليكس فيشمان المحلل العسكرى فى صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنه كلما قللت إسرائيل من نقل البضائع عبر معبر كرم أبوسالم، سوف يزيد الضغط على مصر لإبقاء معبر رفح مفتوحا، وأن الإغراء المالى الذى تعرضه واشنطن لتطوير شمال سيناء ربما يقنع المصريين بتحمل المزيد من الأعباء. ووفقا لرواية فيشمان فإن مصر حصلت على وعود من دول عربية غنية بنقل الأموال من أجل بناء مناطق صناعية مشتركة فى شمال سيناء، واقامة مخازن وقود لتزويد غزة، وإنشاء مطار وميناء فى العريش لصالح تخفيف العبء عن أهالى غزة، وهنا يتضح من المقولات الإسرائيلية أن مصر لن تتبادل أراضي، وإنما كل ماهو مطلوب منها المساعدة فى تحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية لسكان غزة، وأحسب أن مصر تقوم بكل ما يمكنها من أجل تحسين حياة الفلسطينيين، والمصالحة الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
ـ.ـ ويبقى أن المعطيات على الأرض لاتذهب إلى بعيد، وإنما «خطوات صغيرة»، ولامجال لصفقات كبري، وحتى لو جرى التفاهم لن يتم الإعلان عنها لأن الظروف ليست مواتية بعد!
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع