بقلم : محمد صابرين
سنة الإخوان لم تزل بذاكرة المصريين، وهى تقف شاهدا حيا على ما جرى من هذه الجماعة التى لم تتغير قيد أنملة. لازال التاريخ يحكى قصة انقلابها على كل من تعاون معها، واللجوء إلى العنف لتحقيق أغراض سياسية أو تسوية أى «خلافات سياسية» إلا أن الأهم فى قصة الإخوان أمران: الإسراع إلى «الاصطدام المبكر» والخسارة، والتورط مع القوى الأجنبية، والنتيجة دائما معروفة سلفا «محنة المظلومية»التى لم تعد تجدى نفعا، لأن الأخطاء والخطايا ذاتها تتكرر.. دوما «مغالبة لا مشاركة». وعنف وعدم إيمان باللافتة الديمقراطية! والمثير للدهشة أن تيارات الإسلام السياسى نادرا ما تجرى أى مراجعات، والآن بعض رموز الجماعة الإسلامية يتنكر للمراجعات القديمة وهو الأمر الذى يضع «مصداقية بل وجدوي» المراجعات أمام علامة استفهام كبيرة، كما أن المجتمعات العربية حائرة فى الإجابة على السؤال: ماذا نفعل مع الإخوان وبقية الجماعات، وبالرغم من منطقية السؤال إلا أن التجربة تعلمنا أنه «لا أمل من الاحتواء أوالتأهيل»، وهذه خبرة الملك فاروق وعبدالناصر والسادات ومبارك والمجلس العسكري، بل وخبرة السعودية والآخرين، وهذا ما رأيناه يتكرر فى أحداث يناير وصولا إلى 30 يونيو. والشيء الوحيد الممكن والمريح هو «الجماعة حظرت وإلى الأبد، وأى عنف سيواجه بصرامة من الدولة، والإخوان عليهم أن يدركوا أنهم فى انتظار ما لا يجيء. وأحسب أن مصر ـ على الأقل ـ عليها أن تمضى بحياتها ومؤسساتها ورؤيتها للمستقبل بعيدا عن «صفحة الإخوان» التى يجب أن تطوى وإلى الأبد.
وأحسب أن الزمن قد تجاوز «الوصفة القديمة»، وأن محاولات تسويق أو خداع الآخرين بشعارات براقة لم تعد تنطلى على الكثيرين الآن. لقد توقف كثير من الكتاب والقوى السياسية المعتدلة بل وجمهور الناس أمام المداهنات الخاصة بالإيمان بالسلمية، وأكذوبة الاعتدال، وتداول السلطة، والمشاركة، كما أن البسطاء لم يعد يجدى معهم شعار «الإسلام هو الحل»، أو هذه السرية الخانقة بشأن كل شيء: الأموال والصفقات والتحالفات، والهجوم على الغرب والعمل على خدمته، والهجوم على إسرائيل والعلاج فى مستشفيات العدو الإسرائيلى بل وتلقى أموال شهرية من قوات الاحتلال مثلما يتكشف الآن بالنسبة للجماعات المتطرفة والإرهابية السورية.
وبالرغم من أن «التفاهمات السرية» ما بين الغرب وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا وهذه الجماعات قد بدأت تتكشف ورقة وراء أخري، وبخاصة القاعدة وداعش وجبهة النصرة وغيرها من جماعات العنف والإرهاب، إلا أن جماعة الإخوان لم تزل قادرة فى بريطانيا والولايات المتحدة بل ودول غربية أخرى مثل ألمانيا ودول الشمال الأوروبى على الحفاظ على واجهة السلمية المزعومة هذه. إلا أنها بدأت تواجه ملاحقات جدية سواء من اليمين المتشدد أو قوى اجتماعية وسياسية أخري، فضلا عن أن الأخطر هو أن ضحايا هذه الجماعات الفاشية بدأوا يتحدثون علنا لكى تسقط «الهالة الأخلاقية» عن هذه الجماعة ومن المحطات المهمة إفلاس بنك الاعتماد والتجارة، وتورط الشيخ صالح كامل رئيس بنك البركة فى قضية الفساد الكبرى فى السعودية، وأيضا نهب أموال المودعين فى بنك التقوى من قبل يوسف ندا والتنظيم الدولى للإخوان، وأخيرا الاتهامات المشينة لحفيد البنا د. طارق رمضان بالاغتصاب لسيدتين، وتوقيف سلطات التحقيق الفرنسية لرمضان على ذمة التحقيقات، ويبدو أن الأيام ستكون حُبلى بالمفاجآت، ولا ننسى هنا التراشقات بالاتهامات «بالفساد المالي»، وغيرها من الاتهامات ما بين قيادات الإخوان وشباب الجماعة فى الفترة الماضية بعد سقوط الجماعة وتساقط قياداتها، واللجوء إلى العنف ثانية كالعادة، وانتظار «تسوية بأى شكل» مع السلطة للعودة إلى الساحة، وهذا ما حاول أن يفعله يوسف ندا ـ والذى يصر على أنه ليس مسئولا بالتنظيم الدولى بمحاولة اثارة الزوابع فى الحياة السياسية المصرية، وذلك من خلال الادعاء بأنهم مازالوا قوة تضع شروطا على المصريين. وهو الأمر الذى أثار السخرية، والاستهجان، وسرعان ما تجاوزته الأحداث إلا أن القوى الهاربة خارج الديار المصرية وبدافع من أوهام العودة إلى السلطة أو الإدماج فى الحياة السياسية والعامة لاتزال تملأ الدنيا صراخا بشأن «عودة عقارب الزمن»! وأغلب الظن أن الزمن لن يعود، وأن الجماعة فى انتظار ما لا يجيء!!
ويبقى أن هذه الأوهام ربما تغذيها «أشباح الماضي» وقدرة الجماعة وقياداتها المستمرة على التحالف مع «الشيطان الأكبر» فى كل حقبة زمنية. وهو ما جرى مع بريطانيا من خلال جهاز المخابرات «أم. أي. 6»، ومع الولايات المتحدة من خلال المخابرات المركزية الأمريكية، ومن خلال التعاون وعرض الخدمات على أجهزة المخابرات الغربية مثل ألمانيا، كما أن بعض القادة المصريين والعرب استخدموهم إما للمساعدة فى الوصول إلى السلطة، والأغلب لضرب القوى السياسية الأخري، أو القيام بالعمليات القذرة مثل «الاغتيالات وتصفية الخصوم»، ودوما الوقوف ضد القوى الوطنية وأجندتها المستقلة. ولكن القصة دائما تبدأ بالخلاف الذى يتطور إلى «صراع على السلطة»، ومحاولة الطرف الذى بدأ العلاقة الآثمة التحلل من العلاقة.. وأحيانا ما يدفع حياته ثمنا مثلما حدث للسادات؟!
وأحسب أن تجربة الماضى تغرى بوهم «عودة الزمن»، إلا أن الشعوب بدأت تفتح عينيها، وبدأت تطرح أسئلة، كما أن العلاقة مع العنف بدأت خيوطها تتضح. ففى مقالة للكاتب الأمريكى إيلى ليك فى بلومبرج تحت عنوان «تحرك أمريكى مبدئى حيال الإخوان المسلمين» يقارن بين الجماعة والقاعدة، ويقول فى عبارة ذات دلالة كبيرة «إن كثيرا من أعضاء الكونجرس الجمهوريين يعتقدون أن الجماعة التى تمخض عنها الإسلام السياسى ينبغى معاملتها مثل تنظيم القاعدة الإرهابي. ولقد بدأت الإدارة الأمريكية الجديدة فى اعتماد سياسة أكثر صرامة حيال «الأذرع العنيفة» المتفرعة من جماعة الإخوان، وأعلن ناثان ساليس المفوض الأمريكى لمكافحة الإرهاب عن تسمية اثنين من التنظيمات الجديدة نسبيا وهما «لواء الثورة» وحركة «سواعد مصر»، اللتان يقودهما أعضاء سابقون فى جماعة الإخوان كمنظمات إرهابية، وجرى وضعهما على لائحة الإرهاب الأمريكية. وهذه الخطوة قامت بها بريطانيا، وسبق للواء الثورة اغتيال العميد عادل رجائى قائد الفرقة التاسعة مدرعات المصرية، كما يحمل تنظيم سواعد مصر تاريخا إرهابيا إذ حاول اغتيال المفتى السابق د. على جمعة. ومثلما يقول الكاتب فإن واشنطن مطالبة «بسياسة متماسكة بشأن الجماعة، ولأجل هكذا غاية يجب على الإدارة الأمريكية صياغة استراتيجية فى هذا الإطار. وأغلب الظن أن الإدارة الحالية مثل الإدارات السابقة لن تتوقف عن استخدام الجماعة لتحقيق مصالحها، وفى المقابل هذه المرة لن يكون لقيادات الجماعة سوى الرهان على المغامرين والحمقى لانتشالهم، ولكن على الأرجح أنهم سيظلون فى انتظار ما لا يجيء.
نقلا عن الاهرام القاهريه