بقلم - محمد صابرين
هل نحن نتعرض إلى مؤامرة؟ وأحسب أن التاريخ الطويل للمنطقة العربية ومصر فى القلب منها يقول لنا بوضوح أن الإجابة نعم. وإذا كان ذلك هو خبرة الماضي، فهل خبرة السنوات القليلة الماضية شيء أخر؟ والإجابة ثانية للأسف لا.. فنحن فى عين العاصفة، وهنا سؤال أخرلماذا يتآمرون علينا؟. والإجابة بوضوح: النفط والطاقة المتجددة والممرات البحرية وإسرائيل، والموقع الجغرافي، وأما مصر فهى الجائزة الكبري، والمطلوب أن تظل مصرشبه جثة ممدة على خريطة الشرق الأوسط..لا تموت وتنهار فتنشر الفوضى ولا تنهض وتعيد أسطولها إلى أبواب أوروبا «تجربة محمد علي» أو تقود حركة التحرر الوطنى «تجربة جمال عبد الناصر»، والآن تغير العالم، وتغير فن الحرب، وتغيرت بالتالى فنون المؤامرة، وبات الهدف الاسمى نصر بلا حرب من خلال الفوضى الخلاقة، وحروب الجيل الرابع والخامس، وباتت السيطرة على العقول أهم ساحات الحروب، وأشدها ضراوة وأصبح الإعلام فى قلب تهديد أو عملية الدفاع عن الأمن القومي، والمصالح العليا للوطن، وهنا نسجل ملاحظات مهمة هي:
بداية تحية للرجال الذين لم يتوقفوا لحظة فى الدفاع عن الوطن، وضحوا بحياتهم كى تحيا مصر، وتحية للمؤسسة العسكرية صانعة الرجال وتحية لرجال أكاديمية ناصر عقل المؤسسة، وجزء من ضميرها على جهدها فى محاولة شرح مفهوم الأمن القومى وأحسب أن الموقف يتطلب من الجميع جهدا أكبر لاجتذاب عقول النخبة والنشء على حد سواء لتفهم خطورة الموقف، وألا يكون ذلك فورة لحظة فى مواجهة خطر بل إستراتيجية شاملة، ولا تكتفى بعملية التشخيص بل نقدم تصورات للحل, لأمة فى لحظة خطر،..فهى مهددة بالخراب بأيدى أبنائها، ومهددة بأن يتسرب المستقبل من بين أصابعها لصالح ثقافة عدمية أو مخططات شيطانية لا ترى خلاصها إلا فى التبعية للغرب أو السلطان العثمانى أو إمبراطورية الملالى الفارسية، ونحن على ثقة أن المؤسسة العسكرية المصرية أهل لهذه المهمة ولن يبخلوا بأى جهد حتى يطمئنوا إلى أن صانع القرار لديه الصورة الكاملة والمعلومات الدقيقة بشأن معركة المصير هذه.
وأحسب أن أهم عناصر قوتنا فى هذه المعركة هى التماسك الاجتماعى والتلاحم الوطني، وهو ما يشير له دوما الرئيس عبد الفتاح السيسي: «طول ما احنا مع بعض أيد واحدة» ويكفى لإيضاح أهمية ذلك أن نقرأ كتاب المفكر الأمريكى باتريك جيه بوكانن, موت الغرب، والرجل حذر من أن الغرب يواجه خطرين: الأول موت أخلاقى بسبب السقوط الأخلاقى الذى ألغى كل القيم التربوية والأسرية والأخلاقية التقليدية. والثانى موت ديموجرافى وبيولوجي، وهنا مرة أخرى علينا العودة لقراءة بروتوكولات حكماء صهيون وأن نعرف أننا لسنا خارج دائرة الخطر، والحقيقة المرة أنها معركة أفكار، والإعلام هو الساحة الأولى والأهم للمواجهة فيها.
وبات واضحا أن اخطر الحروب هى الحروب على عقول الأمة، وهنا أحب الإشارة إلى شعار الإسلام هو الحل، والآن السوق هو الحل وفى الحالة الأولى كان مشروع الإسلام السياسى قد صنع فى الغرب وبمساعدة المخابرات البريطانية، والآن يقال أن النسخة الجديدة هى إسلام السوق، وفى كلتا الحالتين مطلوب التبعية للغرب، ولكن مشروعنا كان وسيظل استقلال الوطن وعدم التبعية وأجندة وطنية وإعلام وطنى ومؤسسة عسكرية غايتها مصر والمصريون. إلا أن الشعوب مثل الفرد العادى تحتاج إلى حلم وقصة نجاح وأبطال، والدول بات لها علامة تجارية. وهذه باختصار ما يعرف بجاذبية النموذج, وهنا لا يكفى أن يكون محمد صلاح هو بطلنا الوحيد، ولا أن نترك المسلسلات التركية ولا مهند ليكون البطل، لابد من صناعة أبطال من كل المجالات، وان تعمل مصر على صناعة نموذجها الجاذب، وأن تستعيد قوتها الناعمة بأسرع ما يكون، وألا تفرط فى هذه القوة للأخرين سواء عدو أم صديق؟!. هنا يضع المفكر الأمريكى نعوم تشومسكى مسئولية كبيرة على أصحاب الفكر، ويقول فى كتابه المهم من يحكم العالم؟« أما فيما يتعلق بمسئولية المفكرين، لا يبدو لى أن هناك الكثير مما يمكن قوله عدا الحقائق البسيطة» المفكرون هم موضع حظوة فى العادة، والحظوة تهيئ الفرصة، والفرصة تستوجب المسئولية, وللفرد حينئذ خياراته. وأحسب أن الكثير من الشرفاء ينتظرون الفرصة كى يسهموا فى معركة العقول، ولكن هناك من باع روحه وضميره بحفنة من المال، وهنا علينا أن نحصن النخبة المصرية، وأن نعالج مشاكل الإعلام بصورة جذرية، وأن نختار الرجال للمعركة وعلينا أن نحذر من إعلانات مثل غير مبادئك. وهنا سؤال: من المسئول عن قصف عقول الناس بمثل هذه الدعوات الكارثية.
ويبقى السؤال لماذا نجحت الفوضى الخلاقة، ولماذا يقال عنا رجل العالم المريض، ولابد من نظام إقليمى جديد، وسايكس بيكو جديدة، ولماذا مشروع بيرنارد لويس الخاص بتقسيم العالم العربى يتردد فى جميع الأنحاء، ويتم التعامل معه باستخفاف فى العالم العربي. وهنا أشير إلى أننى شخصيا تعرضت لكلام صريح عن ترتيبات إقليمية جديدة على أنقاض الجامعة العربية، وذلك فى مؤتمر كبير عن إعادة رسم خرائط العالم فى 2012 فى معهد أبحاث الشرق الأوسط بسنغافورة. وهنا أحب أن أشير إلى كتاب الزميل مختار شعيب وثائق المؤامرة ومخططات التقسيم.، كما شرح الكاتب الأيطالى مانيلو دينوتشى فى مقال على الموقع الإكترونى شبكة فولتير ما أطلق عليها «Psyop :عملية سوريا» وهى العمليات السيكولوجية، التى كلفت بها الوحدات الخاصة التابعة للقوات المسلحة والاستخبارات السرية الأمريكية، ويعرّفها البنتاجون على أنها عمليات مخطط لها من أجل استمالة العواطف والدوافع - عبر معلومات محددة- وبالتالى موقف الرأى العام، والمنظمات والحكومات الأجنبية، من أجل حث أو تعزيز المواقف المتماشية والأهداف التى تم تعيينها. تحديدا: هدف العملية السيكولوجية السياسية الإعلامية التى أطلقت على سورية. وأخر الشواهد هجوم رئيس وزراء إيطاليا جوزيبه كونتى على فرنسا قائلا: ماكرون سيكون مخطئا فيما لو اعتقد أن ليبيا تخصه، فهى ليست له ولا لنا، بل هى دولة مستقلة لها علاقة مميزة تاريخيا مع إيطاليا ، ولن نتخلى عنها أبدا.ولم يعد لى تعليق.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع