بقلم - محمد صابرين
يبدو أن الرهان قد استقر على «حصار إيران»! وربما «خنق النظام» الإيرانى بعقوبات اقتصادية لم يسبق لها مثيل، وذلك أملا فى نقل المعركة مع ملالى طهران إلى الداخل وصولا إلى سقوط النظام فى نهاية المطاف، وأغلب الظن أن الولايات المتحدة، وبالرغم من التهديدات الصاخبة ليست لديها «شهية» لحرب مغامرة جديدة فى المنطقة، وأغلب الظن أن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون إلى «قطع الأيدى الإيرانية»، وممارسة الضغوط الشديدة على وكلاء إيران فى المنطقة إلا إن طهران فى وضع يمكنها من الرد المباشر، وبطرق من شأنها تعريض شركاء الولايات المتحدة للخطر، بل وحتى القوات الأمريكية المنتشرة فى منطقة الشرق الأوسط، وهنا فإن من المفيد التأمل فى حركة الأحداث على الأرض أكثر من الانشغال «بالتهديدات اللفظية» من أطراف اللعبة، وذلك لأن الأفعال ـ وأحيانا عدم الفعل ـ أقوى وأكثر تعبيرا عن الكلمات الملتهبة أو «الوعود المعسولة» التى لا تدعمها أو تثبتها الأفعال على الأرض.
ولعل نقطة البداية تتمثل فى تسريب أحد كبار المسئولين بالإدارة الأمريكية تأكيدات بأن بلاده اتخذت «خطوات معينة» لاحتواء إيران فى اليمن، ولبنان، والخليج العربى، وأماكن أخرى، وجاءت هذه التسريبات بعد ساعات من إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلغاء الاتفاق النووى مع إيران، والمدهش أن المسئول الأمريكى الكبير قال بوضوح إن الحلفاء الأوروبيين «يعملون معنا» بالفعل فى كبح الجماح الإيرانى، وهنا فإن الشواهد على الأرض تؤكد أن الشركات الأوروبية تغادر السوق الإيرانية، وأوروبا لم تقدم «الضمانات» المطلوبة من إيران للالتزام بالتعامل معها، ومواجهة تهديدات واشنطن بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية والأجنبية التى تتعامل مع طهران، والأمر الأهم هنا هو اتفاق أوروبا مع واشنطن فى القلق من «الصواريخ الباليستية» الإيرانية والتدخلات الإيرانية فى شئون الدول الأخرى بالمنطقة.
> والنقطة الثانية تتعلق بالموقف الروسى من إيران، وهنا فإن راف سانشيز مراسل صحيفة «ديلى تيلجراف» البريطانية لشئون الشرق الأوسط كشف عن أن صبر روسيا بدأ ينفد مع حلفائها الإيرانيين فى سوريا، وأشار إلى قلق موسكو من أن الصراع بين إسرائيل وإيران يهدد انتصارها فى الحرب الأهلية السورية ، وهنا لابد أن نشير إلى أمرين فى غاية الأهمية: الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قال بضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا، وعاد مبعوثه للأزمة السورية ليقول بوضوح إن ذلك يشمل القوات الإيرانية، وفى ذات الوقت لم تحرك روسيا ساكنا فى أثناء ضرب إسرائيل المواقع والقوات الإيرانية فى الأراضى والقواعد السورية، وثمة أنباء أن عن إسرائيل تنسق مع الجانب الروسى قبل الهجمات.
> والنقطة الثالثة تتعلق بسوريا وكيفية بروز معلومات تتحدث عن «تحجيم إيران»، وأبرز مثال فى اللحظة الراهنة يتعلق بالانباء التى تتحدث عن تقدم ملموس فى مباحثات «السيناريو الأردنى» لجنوب سوريا، والذى يتضمن 4بنود: إعادة انتشار لقوات الجيش العربى السورى، وحل مجموعات مسلحة معارضة، ومنع مشاركة القوات «الإيرانية»، واستلام درعا بهدوء، ودون قتال، وتفيد التقارير الواردة من عمان أن ثمة تفاهمات أمريكية روسية إسرائيلية أردنية على هذا السيناريو، فإن الأهم هو أن النظام السورى لا يمانع فى إبعاد القوات الإيرانية وميليشياتها، وإخراجها من الصورة، وهنا هل تكون هذه هى «الصيغة الأكثر قبولا» ألا وهى «حل فى سوريا يستبعد إيران»، ويخرجها من معادلات المستقبل السورى، والتوازنات العسكرية على الأرض، وأحسب أن المؤشرات والخطوات مهمة، بل ثمة أنباء عن أن لبنان ـ ورغم تهديدات حزب الله وتفوقه فى الانتخابات الأخيرة ـ أبدى استعداده لحل النزاع حول الحدود البحرية مع إسرائيل وتحديدا «بلوك9» وهو تطور مهم ويأتى بعد تهديد إسرائيل بإعادة لبنان إلى العصور الحجرية، إذن أهمية الخبر تتعلق بمحاولة نزع فتيل أزمة يمكنها أن تفجر حربا جديدة ما بين إسرائيل وحزب الله، وليس خافيا أن جولة جديدة من الصراع المسلح ستكون لمصلحة الأجندة الإيرانية.
> أما النقطة الرابعة، فهى تتعلق «بزواج المصلحة» ما بين إيران وروسيا، وهنا فإن الأمر ببساطة ووضوح يتعلق بأن روسيا لا مصلحة لديها فى تحويل «سوريا» إلى ورقة مساومة فى يد طهران، وأحسب أن المنطق يقول إن روسيا تريد «الورقة السورية» بأكملها لصالحها و «حساباتها الإستراتيجية» فى المنطقة، ولمصلحة التعامل مع واشنطن والغرب، وأغلب الظن أن الدول العربية تريد استرجاع سوريا للصف العربى بعيدا عن إيران، والولايات المتحدة لا ترغب فى التمدد الإيرانى ليلامس الحدود الإسرائيلية، وإسرائيل تدرك اللعبة الإيرانية، وهى الوجود على الأرض فى ظل الحماية الجوية الروسية لتطوير مواقع عسكرية تمكنها من الاحتكاك بإسرائيل، وأحسب أن روسيا نزعت الغطاء الجوى، ولم تقدم صفقات الصواريخ المتقدمة حتى الآن سواء لطهران أو دمشق، ويبدو حاليا أن موسكو وطهران يستغلان بعضهما البعض لأطول فترة ممكنة، وحتى لو افترقت المصالح فى سوريا، فالأغلب أن طهران ستحافظ على علاقتها بموسكو فى مواجهة الغرب.
> وتبقى النقطة الخامسة وتتعلق بالسيناريو المقبل، وهنا يذهب البعض إلى أن إيران تخطط للاندفاع على كل الجبهات ردا على انسحاب ترامب من الاتفاق النووى، وفرض عقوبات اقتصادية، ويستند هؤلاء إلى تسريب طهران معلومات عن مراقبتها للقواعد الأمريكية فى الأردن والسعودية والإمارات وقطر، وفى الوقت ذاته فإن ديفيد اغناتيوس الكاتب الشهير كتب فى «واشنطن بوست» مقالا بعنوان «المرحلة التالية بعد قرار ترامب» ويطالب بأن تراهن السياسة الحكيمة تجاه إيران على الشعب لا على النظام، وتفادى حربا مغامرة تجعل العراق يبدو وكأنه نزهة، وأن تسعى إلى «تسوية نهائية ما بين إيران ما بعد الثورة والسعودية الحديثة» هذه رؤية كاتب قريب من دوائر صنع القرار الأمريكى.
إلا أن المرجح لدينا هو أن النظام الإيرانى سيبذل جهده كله «للبقاء» ويتجنب أى مواجهة عسكرية مفتوحة، وسيحاول تحريك أذرعته بقوة، وأن يشعل القلاقل فى داخل الدول العربية، وأن يستغل «صفقة القرن» وأن يلعب «بالورقة الفلسطينية» فإذا لم تكن هناك «حرائق محسوبة بدقة» فى سوريا والعراق ولبنان، فلربما حرائق فى البحرين وفلسطين وعلى الحدود اليمنية السعودية، وفى أفغانستان، وفى المقابل فإن واشنطن وحلفاءها سيبذلون أقصى الجهد لنقل المعركة لداخل إيران، ومن هنا يبدو الطرفان ليسا فى عجلة من أمرهما.
المصدر : جريدة الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع