بقلم - محمد صابرين
«الدور المصرى» وتمدده قضية قديمة جديدة، والغريب أن لا أحد توقف أمام ما يعرف «بالتكلفة والعائد» وهل المطلوب هنا «تمدد مصر» بأى ثمن؟! وبعيدا عن التمنيات التى لا تسندها القدرات، فعلى المرء أن يطرح أسئلة بسيطة: ترى ما هى قواعد اللعبة الحاكمة الآن للأدوار، ما هى قدرات المنافسين والخصوم، ومدى انسجام الفريق الذى سوف تلعب معه، والأخطر هل هناك اتفاق على الهدف المنشود من «لعبة الأدوار» والرغبة الجامحة فى التمدد؟! وأحسب أن تجربتنا مؤلمة، وواقعنا لا يتحمل «مغامرات أخرى»، وقواعد اللعبة الآن تركز على «القوة الشاملة للدولة»، وجاذبية قوتها الناعمة، والأهم «حجم المصالح» معها، ومن هنا فان الصين تهتم «ببناء القدرات» لا التورط فى مغامرات، والقوة العظمى الكبرى فى العالم يرفع رئيسها دونالد ترامب شعار «أمريكا أولا» وهو يبحث عن الصفقات والاستثمارات والوظائف لمواطنيه، واستعادة قدرة بلاده على المنافسة فى مواجهة الصين والاتحاد الأوروبى وخصوصا ألمانيا، وهنا فإن الحقيقة المجردة تقول إن مصر تحتاج إلى «7 أولويات عاجلة» لا التمدد بأى ثمن، ويكفى هنا الاشارة إلى أن التجارب العربية والمصرية تقول إن الطريق إلى «المستنقع والاصطياد» كان دوما بتزيين مسألة التمدد، وهكذا سقط صدام حسين ومعمر القذافى (مغامراته الإفريقية والعملة الموحدة) وبالطبع عبدالناصر فى سوريا واليمن. ولكن تبقى اليمن «النقطة الفاصلة» فى تاريخ مصر الحديث والتى بددت الكثير من ثروات مصر وقدراتها وهو ما قاد إلى هزيمة 67.
واليوم ونحن نستعيد «قضية التمدد» علينا أن نتوقف مع شهادة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط والذى عالج المسألة المصرية فى كتابه المهم «شهادتى» وتكتسب الشهادة أهميتها من أن أبوالغيط المصرى بشدة ورجل الدولة ـ والذى عمل دبلوماسيا ووزيرا للخارجية ـ يرصد تحديات الماضى والمستقبل، والسؤال المحورى «كيف تخرج» مصر إلى آفاق أخرى تربطها بالعالم المتقدم والمتطور، ولا تفرض عليها الجمود والتقزم»؟! وأحسب أن الرجل قد حدد القضية والهدف، «التقدم لا الجمود»، وهو هنا يقدم لنا رؤية التقدم إلى المستقبل لا «العودة» إلى قرون الظلام، ولكن هل نحن حزمنا أمرنا وقررنا أننا نريد أن نصبح سويسرا لا أفغانستان، وأن بطلنا د. مجدى يعقوب وأحمد زويل ومحمد صلاح وليس أبوبكر البغدادى وبن لادن ومصعب الزرقاوى.
والسؤال الثانى هل أولوياتنا بناء شخصية الإنسان، والتعليم ومكافحة الفساد، وسيادة القانون، واتاحة المشاركة المجتمعية فى الحكم مثلما يقول أبوالغيط، والسؤال الثالث يتعلق بالقدرات، وهنا يشير أبوالغيط بدبلوماسية رقيقة إلى المقارنات ما بين مصر والدول الأخرى مثل أن الناتج المحلى الاجمالى لتركيا أربعة أضعاف المصرى وبعدد متكافئ من السكان، والناتج السعودى يبلغ ضعفى المصرى وبنصف عدد السكان، وذلك قبل أن نصل إلى 100 مليون، إلا أن النقطة الأهم فى تقديرى هى اشارته إلى أن النخبة المصرية لم ترصد «القوة الاقتصادية التركية الصاعدة التى كانت المفجر للصحوة التركية فى البحث عن الأسواق، والانتشار بهدف الترويج للمنتجات بكل أشكالها وفى السياق نفسه يرصد أبوالغيط عن إيران لقد اختفت عن رؤية النخبة المصرية العزلة الدولية الإيرانية، والصعوبات الاقتصادية التى واجهتها إيران، ويقول أبوالغيط إن مكانة مصر الاقليمية والدولية وفاعلية سياستها الخارجية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تأمين منظومة كاملة من النجاحات بالداخل المصرى، فإذا تحقق ذلك كان لمصر فاعليتها وإذا ما بقيت مصر فى سكونها وأوضاعها الحالية أو العودة بسياسات من الماضى السحيق فلن يكون أمامها سوى سياسات تقود إلى الشعبوية وربما إلى صدام مع خصوم لها فى المنطقة والعالم، هذه شهادة أبوالغيط لوطنه فى 2013، ومصر كانت فى مفترق طرق.
وبعيدا عن الفترة المضطربة من جمود سنوات مبارك الأخيرة، وظلامية وعشوائية سنة الإخوان، ومحاولة العهد الجديد لثورة 30 يونيو «الاسراع بقوة» وإجراء مشروعات كبرى، وتناول «أدوية مرة» لبناء القدرات وإصلاح الاقتصاد فى مقابل ذلك يقول لنا مروان المعشر الوزير الأردنى السابق فى مقال تحليلى بصحيفة الغد الأردنية بعنوان «التشاركية هى مفتاح حل الأزمة الاقتصادية» وجوهر رؤيته أن «الحقبة النفطية أوشكت على الانتهاء» وأن حلول الأزمة الاقتصادية لا يمكن أن تبقى «تقنية خالصة» ولن يكتب لها النجاح دون حوار مجتمعى حقيقى. وبعبارة صريحة أن طريقة إدارة الأمور «بالأسلوب الأبوى» لم يعد صالحا مع أجيال جديدة، ولم يعد ممكنا مع قلة الإمكانات وزيادة التطلعات وهذه ظاهرة ممتدة فى العديد من البلدان العربية، خاصة إذا ما اقترن ذلك بصعوبات الدول المنتجة للنفط والتى كانت تلعب دورا فى تخفيف المشكلات للدول المصدرة للعمالة مثل مصر والأردن.
ونبعد قليلا إلى «قارة أمريكا اللاتينية» التى تبدو ظروفها قريبة من أوضاعنا، وهنا يقدم لنا مايكل ريد الخبير فى شئون أمريكا اللاتينية لدى مجلة «الايكونوميست» بعض الخلاصات المفيدة لنا، وهو صاحب كتاب «القارة المنسية.. التاريخ الجديد لقارة أمريكا اللاتينية» يقول ريد إن أمريكا اللاتينية تتصارع فى الوقت الراهن مع نهاية الطفرة السلعية الكبيرة، ومن أ جل مواكبة النمو الاقتصادى السريع تحتاج المنطقة إلى زيادة كبيرة فى الإنتاجية، وتعزيز مهارات القوة العاملة فى البلاد، وتنويع المصادر الاقتصادية، وزيادة مستوى الفاعلية التى تعمل بها الحكومة، ويؤكد أن الديمقراطية والتنمية مهمتان من الصعوبة بمكان، و يرصد أن القارة شهدت اتساع رقعة الطبقة الوسطى، وهم أفضل تعليما واستنارة وثقافة عما كانت عليه الأوضاع فى الماضى، وهم يرغبون فى المزيد من الخدمات العامة الجيدة من الحكومات، كما يرغبون فى وجود قيادات سياسية جديدة أكثر خضوعا للمساءلة.
ويبقى هنا أن هذه هى الأوضاع الحقيقية، والأوجاع والأولويات التى تفرض نفسها فى قارة مثلنا اتسمت سنواتها العشر الأخيرة بقدر كبير من الاضطراب والفوضى، ونحن فى عالمنا العربى وفى مصر واجهنا ولانزال الكثير من الاضطراب والفوضى، ولكن الكثير من التطلعات المتزايدة لطبقة متوسطة أكثر تعليما ومعرفة، كما أنها لا ترغب فى التورط فى مغامرات خارجية، أو أدوار تتطلب إنفاق المزيد من الأموال بعيدا عن احتياجاتها، وفى ضوء ما سبق عرضه فان مصر تحتاج «7 أولويات عاجلة» وهى: جذب الاستثمارات الكبيرة وهنا لن يكفى الحديث عن 10 مليارات دولار بل لابد من القفز إلى 30 مليارا، وثانيا: القفز بالصناعات كثيفة العمالة وإصلاح أحوال قطاع المنسوجات مثلا، وثالثا: مضاعفة الناتج المحلى الإجمالى وتحقيق معدلات نمو تصل إلى 7،5% على مدى 4 سنوات، رابعا: استعادة حركة السياحة والاستفادة من التوقعات بطفرة سياحية جديدة والوصول إلى 30 مليار دولار كدخل سنوى، خامسا: التوسع فى صناعات تكنولوجيا المعلومات لنصل إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويا، سادسا: التوسع فى الزراعة وترشيد المياه وتكنولوجيا تحلية المياه والصناعات الغذائية والمزارع السمكية وتربية الماشية حتى نصبح من المصدرين بقوة، وسابعا: إصلاح التعليم وإحداث طفرة للدخول بقوة للثورة الصناعية الرابعة، والاستعداد لتعظيم اسهامات هذه القوة المتعلمة فى داخل مصر، وفى أسواق العمل الخارجية خاصة فى ظل احتياجات أوروبا لعمالة شابة ماهرة. وأحسب أن إصلاح الداخل بسرعة، وتعظيم القوة الناعمة المصرية سوف يفتح الأبواب، ويجذب الآخرين بعيدا عن مغامرات التمدد!
نقلا عن الاهرام القارية