بقلم - محمد صابرين
يميل الناس فى المنطقة العربية إلى «السرعة فى الاحتفال» بما يقوم به الآخرون، وكثيرا ما تكون السرعة «تسرعا فى الحكم» وفى أغلب الأحيان نواجه نوعا من «الحكم بالتمني» وشيئا من هذا كله يواجهنا الآن فى «المسألة الإيرانية» وهو الأمر الذى يفرض علينا التوقف لبرهة للتفكير بشأن سوابقنا القديمة فلقد هلل البعض للغزو الأمريكى للعراق، وإسقاط صدام حسين، وبعدها لإسقاط معمر القذافي، ولا أ درى ما هى النتيجة النهائية للعمل العسكرى فى اليمن، والشيء المؤكد الآن أن عملية اسقاط بشار الأسد قد فشلت وأحسب أن الذين يقفون فى المعسكر الموالى لإيران والمعارض لها يتفق على أمر واحد وهو أن «إيران» توسع نفوذها بعد اسقاط الأمريكان لصدام، وهى الآن ذات حضور ونفوذ فى لبنان وسوريا والعراق واليمن، إذن نحن فى خضم «لعبة لم تنته» فصولها بعد، والأرجح أن من يتمنون بدء معركة مفتوحة لاسقاط النظام الإيرانى وإعلان «قيامة إيران» سوف يخيب ظنهم فالآن باتت ترشح معلومات كثيرة عن محاولة ايجاد «ربيع إيراني»، «وثورة ملونة» لاسقاط النظام من الداخل، وليس حربا مفتوحة تقودها الولايات المتحدة وبمشاركة إسرائيلية وربما عربية ضد طهران. وأحسب أن الأسباب مفهومة، ولعل أبرزها 3 أمور: أنها لن تكون نزهة، وإسرائيل ترغب فى أن تقوم واشنطن بالمهمة نيابة عنها، إلا أن الولايات المتحدة ليست فى شهية «حروب مفتوحة وبلا نهايات، وإنما تفضل «فوضى ممتدة» وايجاد صراعات وتوترات و «حروب بالوكالة» توفر البيئة المناسبة لها لاستمرار ابتزاز الآخرين، وفرض أجندتها وهنا سنحاول أن نرصد بعضا من ملاح المشهد، ولماذا تدعو لعدم التسرع بالابتهاج، بل الخوف من تحقق أمانى البعض فى نشوب حرب عسكرية مفتوحة ضد إيران. والمعيار الوحيد الذى ينبغى أن نفكر فيه هو «ما هى مصلحتنا»، وهل هذه الخطوة تقربنا من الاستقرار أم الخراب والفوضي، والأهم هل سوف نخرج نحن وقد اقتربنا من الهدف، منع إيران من امتلاك السلاح النووي، ولجم سلوكها العدواني، ومنع الحرب الطائفية ما بين السنة والشيعة أو «الحريق الكبير» فى المنطقة، والأهم هل سلوك الشريك الأمريكى وتابعه الإسرائيلى يزيد أوضاعى سوءا أم يحسن من أوضاعي.
وهنا وفقا لهذه المحددات المهمة فإننا يمكننا أن نرصد عدة أمور: أولا: يجادل روبرت مالى الدبلوماسى الأمريكى الشهير ورئيس مجموعة الأزمات الدولية ان الاتفاق النووى مع إيران ساعد على تحقيق الهدف الذى حددته المجموعة الدولية، الا وهو «العمل بحيث لا تتمكن إيران أبدا من حيازة السلاح النووي»، وهنا يلمح الرجل لنقطة فى غاية الأهمية، فهو يقول «إن الأمر يتعلق بنظام تدقيق هو الأكثر شمولية تم التفاوض بشأنه مع بلد لم يتعرض لهزيمة خلال الحرب»، وأحسب أن علينا جميعا قراءة الجملة بامعان الا وهى «الاتفاق مع المهزومين» بالتأكيد يختلف عن أى اتفاق مع غيرهم، وعلى هذا الأساس ربما تفسر الجملة تهديدات كوريا الشمالية لترامب بإلغاء القمة المرتقبة بين زعيمى البلدين فى سنغافورة، وكان لافتا أن بيونج يانج أكدت لترامب «لن نصبح ليبيا أخري، ونرفض التنازل من جانب واحد»، وهذه رسالة لمن توهموا أن كوريا الشمالية سوف تتخلى عن ترسانتها النووية هكذا فجأة وبدون ثمن؟!.
ثانيا: خرج النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى عيران عتصون ليقول صراحة: إسرائيل تحتفل بالنصر على إيران مع أن المعركة لم تبدأ بعد، ولن تتمكن من منع وجودها (أى إيران) فى سوريا، ويقول المسئول الأمنى الإسرائيلى الرفيع «إن تعاظم حزب الله» هو أكبر دليل!، وأحسب أن التقارير الغربية بل الإسرائيلية بدأت تكشف عن كذب نيتانياهو، وبدأ تسريب فيديوهات لخسائر إسرائيل خلال «تبادل الهجمات بالصواريخ» عبر سوريا وضد أهداف إسرائيلية فى الجولان المحتل، وهذا بالطبع لا يعنى أن الجانب السورى والإيرانى لم يتكبد خسائر، إلا أ ن ذلك يقودنا إلى ساحة الحرب المشتعلة والمفتوحة وهى سوريا، فوفقا لما يقوله تقرير لمركز «جانيز أى اتش أى ماركيت» البريطانى فإن التدخل الروسى سمح للجيش السورى بالسيطرة على نصف أراضى البلاد، وقلب مسار النزاع بصورة حاسمة، وهنا السؤال: هل تقايض موسكو على «الوجود الإيراني» والميليشيات الموالية لها، أخذا فى الاعتبار أنها تخوض الحرب البرية، والسؤال الأهم: ترى بأى ثمن، وهل تملك ذلك أم سوف تعرض مصالحها لخطر شديد، وقواتها لخطر أكبر؟!
ثالثا: يحذر د.أحمد يوسف أحمد فى مقالته المتميزة بالأهرام تحت عنوان «فض الاشتباك فى المسألة الإيرانية» من خطر السير وراء الآخرين، ويقول بوضوح «إن الانسياق وراء استراتيجيات دولية تسعى لتحقيق مصالحها بزيادة التوترات، وإشعال الصراعات فى المنطقة فهو نوع من الانتحار من المؤكد أننا لسنا بحاجة إليه»، وأحسب أن الكاتب الكبير اختار التلميح دون التصريح، إلا أن الأمير تركى الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية السابق قالها بوضوح «إن نقل السفارة الأمريكية للقدس سيجعل من الشرق الأوسط أكثر خطورة»، وأضاف «ان ذلك يمنح الجماعات الإرهابية زخما، وهى التى طالما قالت إن أمريكا ضد العرب، كما يسمح ذلك لإيران بالاستفادة من هذه القضية من خلال اتهام أمريكا بدعم إسرائيل»، وفى مسألة الاتفاق النووى يرى تركى الفيصل فى لقاء مع قناة «سي.إن.سي» الأمريكية أن الاتفاق معيب، وقال إنه ركز على التخصيب النووى فقط، ولم يشمل السياسة الإيرانية وسلوكها، وأوضح الفيصل أن ترامب لم ينسحب من الاتفاق، وإنما يريد إعادة التفاوض. ويبقى أن هذه هى ملامح الساحة الإقليمية، وهذه هى الوصفة الأمريكية التى يقف وراءها جون بولتون مستشار الأمن القومى الأمريكى الحالي، والذى وصف الرئيس الأمريكى الأسبق قرار تعيينه بأنه أسوأ أخطاء ترامب، وسيؤدى إلى «كارثة على البلاد»، ووفقا لرؤية كارتر فإن بولتون كان أحد الذين كانوا وراء قرار غزو العراق، ويقف لفترة طويلة مع الحرب ضد كوريا الشمالية وإيران، والسؤال هنا يطرح نفسه إذا كان كارتر يرى أن بولتون ورؤيته تحمل «كارثة لأمريكا»، فترى ماذا تحمل لنا فى المنطقة، وذلك بعد كل ما ذقناه فى العراق وما نراه فى سوريا وليبيا، وأحسب أن الأمر يحتاج لأن نطرح السؤال الصعب: من يبدأ الحوار مع طهران، ويطرح عليها «الشروط العربية»، وأبرزها التوقف عن التدخل فى الشئون الداخلية، ووقف إشعال الحرائق الطائفية والمذهبية، وسبل وضع «آلية محكمة» وشفافة وإجراءات لبناء الثقة، ولعل نقطة البداية الأهم هى «وقف الحرب فى اليمن ولجم الحوثي» كبادرة حسن نية، وهنا ربما يمكن القول إن مصر مرشحة أكثر من غيرها لبدء هذه المهمة الصعبة.