بقلم - محمد صابرين
اختلطت رغبات دونالد ترامب بالفوز بصفقات ضخمة بالمخاوف العربية المشروعة من تنامي التهديدات الإرهابية في المنطقة، واستفزازات إيران بسيطرتها علي قرار 4عواصم عربية، والفوضى الجامحة من الربيع العربي، لتفرض احتياجا كبيرا لعقد تحالفات تتصدي لكل هذه التهديدات. وبالفعل هناك الكثير من الترتيبات السياسية والتحالفات مثل تحالف دعم الشرعية في اليمن. وقفزت اخيرا فكرة التحالف الإستراتيجي في الشرق الأوسط والذي أعلن عنه ترامب ويضم دول الخليج الست ومصر والأردن والولايات المتحدة، وتراوحت ردود الفعل العربية ما بين الترحيب, والتأكيد علي تلقي أفكار يجري دراستها، والصمت. وأحسب أن التحالف مابين القاهرة ودول الخليج قائم ومحكوم بما أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي, الخليج خط أحمر، ولا أحد يمكنه أن يزايد علي التزام مصر بأمن دول الخليج، فهي مسافة السكة لكي تحضر القاهرة للدفاع عن الأشقاء إذا ما تعرض وجود الدولة للخطر. وفي المقابل فإن مسألة رغبة واشنطن في تشكيل تحالف أمني وسياسي، وتطوع النخبة الأمريكية للحديث عن أنه حلف سني لمواجهة الشيعة فهذه بذور شريرة لتفجير حرب دينية ومذهبية وطائفية في منطقة لا تحتمل المزيد من الحروب، ولا يتحمل العالم تهديد إمدادات النفط، ولاتوقف حركة التجارة في الممرات البحرية. وهنا سنتوقف أمام مؤشرات عدة بشأن الترتيبات المؤقتة والمتغيرة ما بين القوي الإقليمية والدولية، وكيف أن وجود صيغ تعاقدية مثل حلف الأطلنطي لم توفر الضمانات الكافية لتركيا مثلا في قضية الأكراد ولا تفسر موقف ترامب من الحلفاء في الناتو، فضلا عن أن مصر من الصعب تصور دخولها في حلف عسكري دائم مع واشنطن إلا بشروط صعبة إن لم تكن مستحيلة؟.
أولا: مصر في ظل القيادة السياسية الحالية تلجأ لما بات يعرف عنها بالصبر الإستراتيجي، وتفضل الحلول السياسية علي العسكرية،كما تحكم سياستها الخارجية عدة مبادئ: رفض الأحلاف العسكرية بقيادة قوي خارجية، وعدم إذكاء النعرات الطائفية والمذهبية وتفضيل التعاون مع الدول العربية في المجالات الأمنية والسياسية لمواجهة التهديدات الخارجية والإرهابية.
ثانيا: تفضل القاهرة الهدوء، والرهان علي الوقت لكي يثبت صحة مواقفها ودقة تقييمها لأمور الشرق الأوسط، فهي لا تحبذ الصخب ولا تسعي إلي مواجهات مفتوحة مع أحد، وخاصة إذا كانت قوة عظمي جامحة ، وتديرها إدارة ورئيس في حالة أزمة.
ثالثا: يري البعض أن من الممكن تفادي الانفجار الكبير والدخول في حرب شاملة مع إيران، بل هناك تقارير عن مفاوضات سرية بين واشنطن وطهران لحل يشبه حل كوريا الشمالية. وذهب موقع ديبكا الإسرائيلي إلي أن الرئيس الروسي بوتين يسعي لصفقة بين إيران وإسرائيل مفادها وقف الغارات الإسرائيلية علي سوريا مقابل وقف شحنات الأسلحة الأيرانية.
رابعا: لو جري التصعيد ضد طهران فإن إيران يمكنها التسبب في ذعر نفطي عالمي، ويري فيكتور كاتونا الخبير النفطي بمجموعة أم.أو.ال جروب في تصريح لموقع إكسبرت أونلاين أن طهران مضطرة إلي 3 عوامل تصعيد: إغلاق باب المندب، حرب ناقلات نفط غير نظامية في الخليج، زعزعة استقرار باب المندب بمساعدة قوات الحوثيين المسلحة في اليمن. ولقد بدأت بزورقين حوثيين استهدفا ميناء جيزان السعودي. وصعدت طهران وقصفت بصواريخ باليستية مناطق في دير الزور شرق سوريا علي بعد 5 كيلومترات من القاعدة العسكرية الأمريكية، وذلك في اختبار لواشنطن في سوريا. والمؤكد أن الاستفزازات وعض الأصابع سوف يتصاعد قريبا،إلا أن إغلاق المضيق بعيد حاليا، لأنه سيؤدي إلي اختفاء12 مليون برميل نفط يوميا، وتمثل ثمن الطلب العالمي علي النفط وربع الإمدادات البحرية في العالم.
خامسا: ويبدو المعلن حتى اللحظة أن واشنطن لا تريد تغيير النظام في إيران أو دفعه إلي الانهيار، وقال جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي في 26يوليو الماضي: الهدف تغيير سلوك إيران في الشرق الأوسط، نريدهم أن يغيروا سلوكهم فيما يخص عدد من التهديدات التي من الممكن أن يمثلها جيشهم ومخابراتهم ومن ينوبون عنهم ووكلاؤهم. ولكن العقوبات تفعل فعلها والشركات الأوروبية تنسحب، ورويترز تقول أن السعودية تضخ بهدوء مزيدا من النفط علي مدي الشهرين المقبلين، وأن الكويت توقفت تماما عن إرسال شحنات نفط الي واشنطن لأول مرة منذ حرب الخليج، وتوجهت الشحنات إلي الأسواق الأسيوية.ومن الواضح أن هذا تحضير لمنع طهران من تصدير نفطها.
سادسا: تذهب بعض الدوائر الإستخباراتية الغربية إلي أن واشنطن مستعدة لضرب منشآت نووية إيرانية ربما في نوفمبر أو ديسمبر. ونقلت محطة اي بي سي نيوز الأمريكية عن مصدر بالحكومة الإسترالية أن واشنطن جاهزة لضرب المواقع النووية الإيرانية،وسيساعد العسكريون الأستراليون والقوات البريطانية الخاصة في تحديد الأهداف.
سابعا: يشتكي ترامب من التكلفة ،وإذا كانت القوي العظمي تئن من الفاتورة المالية..فمن المنطقي أن تتحسب مصر للتكلفة والعائد ليس ماديا فقط بل والتكلفة البشرية. وأحسب إن مصر ليست مستعدة لتحمل تحويل ترامب لأعباء الدفاع إلي الحلفاء والشركاء. كما أن القاهرة تريد التزامات مالية تصل إلي مستوي ال38 مليار التي جري تخصيصها لأسرائيل. وفي الوقت نفسه مصر تنتظر مساعدة في حل المشكلة الليبية، وحل سد النهضة مع أثيوبيا، وبدء تدفق الأستثمارات الكبري ودخول الشركات الكبري الأمريكية للسوق المصري، واتفاقية تجارة حرة مثل الأردن والمغرب، وبرنامج تحديث متطور للصناعة المصرية، وتفعيل برنامج منح الطلبة المصريين للدراسة في امريكا,250 مليون دولار, وسبق ان تعهد بها جون كيري وزير الخارجية الأسبق، وسرعة حل الأزمة مع قطر، وحظر جماعة الأخوان كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة. ويبقي حتى تبدي إدارة ترامب الوفاء ببعض هذه المطالب المصرية أن يتأمل المرء حكمة الشاعر العربي أبو العتاهية، والذي يقول: وبعض الوعود كبعض الرعود.. قوي الرعود شحيح المطر.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع