بقلم - محمد صابرين
لو رحل الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون فلن يشعر أحد بصدمة عنيفة، مثلما لم يتوقف أحد متعجبا أمام قرار تريزا ماى رئيسة وزراء بريطانيا بعدم الترشح ثانية، ولا أحد أصابته الدهشة من تهديد دونالد ترامب بحدوث ثورة إذا ما تم استجوابه أمام الكونجرس. واقع الحال يقول لنا إن المجتمعات الغربية هشة ومأزومة، وتعانى انقسامات حادة ، وأزمة هوية، وأزمة ثقة فى المؤسسات الدستورية، ومراجعة شاملة للمشروعات الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي، بل حالة ضيق شديد بالسياسات التقشفية، وبما حملته العولمة، وإذا كانت دول العالم العربى مهددة بالإرهاب والثورات الملونة، فها نحن نشهد أن شتاء فرنسا ومعضلة بريكست وظاهرة ترامب وزعماء اليمين المتطرف يهدد الغرب كله بالشعبوية، والإرهاب.
وأحسب أن المشهد الأهم هو المشهد الفرنسى الذى يقدم لنا سبعة دروس مهمة، وهذه الدروس للقادة ورجال السياسة والنخبة والرأى العام خاصة فى منطقتنا العربية.
الدرس الأول: مراجعة الرهان على الصبر. لقد قدم الشتاء الفرنسى صورا قاتمة محملة بالغضب تكشف عن خزان غضب هائل، وصورا صعبة لأمة منقسمة بين ضرورات الإصلاح، وتوزيع أعبائه. وهنا علينا أن نتوقف أمام حقيقة أن ماكرون جاء بانتخابات حرة مباشرة، ويتمتع حزبه بالأغلبية فى البرلمان، وسبق ان أوضح نواياه فى السباق الرئاسي، ولكن يبدو لنا أن رصيد الصبر لدى الشعوب ينفد بسرعة كبيرة أكبر من قدرة المؤسسات التقليدية على رصدها والتنبؤ بها.ومن هنا فمن الضرورى العمل على الأرض، والتواصل اليومى لشرح السياسات، وتطوير أساليب قياس الرأى العام، وحشد كل الطاقات والوجوه التى تحظى بالمصداقية لتقديم خطاب أمل عقلاني.
الدرس الثانى: أزمة المؤسسات الشرعية من أحزاب ونقابات فى التفاوض وإقرار الصفقات.وبعبارة أخرى نحن أمام إرهاصات انفلات الأمور من الأطر الشرعية المنتخبة بحرية إلى شرعية الشارع، وهنا لابد من الاستعداد لسيناريوهات التعامل مع شارع غاضب بلا رأس يمكن التفاوض معها. بل ربما سنرى ليس جماعات غاضبة بل ذئاب منفردة غاضبة.
الدرس الثالث: يتعلق بضرورة الانتباه إلى أن المعالجات الأمنية لم تعد لوحدها تكفى. فقد ذكرت مجلة ماريان الفرنسية أن قوات مكافحة الشغب فى البلاد تحتفظ بـ سلاح سرى كحل أخير قادر على إيقاف زحف متظاهرى السترات الصفراء. وأوضحت المجلة، أن المدرعات التى تنزل شوارع باريس محملة بسائل، يمكن رشه على مساحة تقارب ملعب كرة قدم، دون تفاصيل بشأن طبيعته أو قدراته. ويقول الخبراء الغربيون أن الحكومة الفرنسية فى ورطة حقيقية، لو استعملت الشرطة هذا السلاح لقمع المتظاهرين فستهدر مبادئ الثورة الفرنسية:الحرية - المساواة - الإخوة، وستتعرض الجمهورية لانتقادات دولية خاصة من قبل الاتحاد الأوروبى وبرلمانه، وبالتأكيد الشعوب الأوروبية ستدعم السترات الصفراء . وفِى حالة عدم استعمال العنف لتفرقة المتظاهرين سيتمسك المحتجون بمطالبهم وفِى مقدمتها إقالة ماكرون ورئيس وزرائه.
الدرس الرابع: التدخل الخارجى..واقع لا محالة. فقد نشرت صحيفة التايمز البريطانية قبل أيام تقريرا يقول إن الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطنى الفرنسية المكلفة بمراقبة الأحداث الجارية اكتشفت تزايد الحسابات الإلكترونية المزيفة والتى تهدف لتضخيم حركة السترات السفراء على وسائل التواصل الاجتماعي. وقفز ترامب وكتب فى تغريدة على تويتر، إن المواجهات الأخيرة بين الشرطة الفرنسية والمتظاهرين تثبت عيوب اتفاق باريس للمناخ.ودعا إلى إنهاء الاتفاق السخيف والمكلف جدا، وإعادة المال إلى الناس عن طريق خفض الضرائب. وبسرعة دعاه وزير الخارجية الفرنسى لودريان، إلى عدم التدخل فى الشئون الداخلية لفرنسا وهنا يبدو أن الغرب، خاصة الأوروبيين بحاجة لمن يذكرهم بعدم التدخل فى شئون الآخرين، ولكن التدخل أمر مغر وذو فوائد عدة.
الدرس الخامس: حساب ظاهرة الهجرة وتداعياتها بدقة..وهنا يقول لى احد المسئولين العرب ممن لهم دراية وصلات عميقة بفرنسا،ألم تلاحظ غياب سكان الأحياء العشوائية عن الاحداث؟ ويقصد العرب والأفارقة والمسلمين، وهؤلاء كانوا هم وقود اضطرابات ضواحى باريس زمن ساركوزي. وتتخوف السلطات الفرنسية من هؤلاء، ويقال إن صفقة قد عقدت لإبقائهم بعيدا مقابل مشروعات قريبا. ولعل أهم ما يهمنا هنا أن المهاجرين باتوا قنبلة موقوتة، ويكفى أن نشير إلى المشاكل التى تتعرض لها العمالة العربية فى البلدان العربية، وما يهمس به حتى المصريون من شكوى من السوريين والعراقيين ومن قبلهم الفلسطينيون من أنهم زاحمونا فى أعمالنا.
الدرس السادس: فى كل أزمة فتش عن الاقتصاد. والشتاء الفرنسى فى جوهره يدور حول سياسات ماكرون الاقتصادية، وقد أطلق عليه قطاع عريض من الفرنسيين بأنه رئيس الأغنياء. وقد لجأ مؤخرا إلى زيادة الحد الأدنى للأجور وتخفيف الأعباء الضريبية، وإلغاء زيادة أسعار المحروقات فى محاولة لتخفيض الغضب العام على سياساته وشخصه. ولكن الانقسام حاد والاحتجاجات مرشحة لجولة خامسة السبت المقبل، ثم ماذا عن ضريبة الثروة، التى ألغاها باسم تشجيع الاستثمار، وعدم هروب رأس المال إلى الخارج، واصفا الرؤساء السابقين الذين أبقوا عليها لأربعين سنة بالجبن!.وسواء أبقاها أم ألغاها فهو فى مأزق. وأحسب أن فرنسا ودولا أخرى من بينها دول عربية تواجه المأزق نفسه:لامفر من الإصلاح الاقتصادى وفى المقابل ولكن بأى ثمن ومن يتحمل الأعباء، وذلك فى ظل حقيقة واضحة وهى أن الطبقة الوسطى لم تعد تقوى على الاحتمال، خاصة أنها تتعرض لحملات تحريض يومية.
الدرس السابع: الاعلام والتواصل أهم ساحات معركة المصير.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع