بقلم - محمد صابرين
هل ترغب واشنطن في البقاء في الشرق الأوسط؟، سؤال يتردد كثيرا، ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب آخر من طرحه . ومما لا شك فيه أن تواتر السؤال يطرح إما رغبة حقيقية في الرحيل، أو رغبة في الابتزاز، أو جرس إنذار لترتيب الأوضاع، فضلا عن بدء سباق لمحاولة ملء الفراغ الذي سوف ينشأ لا محالة عن التراجع في وجود واشنطن ،وأغلب الظن أن الصراع قد بدأ بقوة بين القوي الإقليمية، والقوي الدولية ليس في سوريا فقط بل ليبيا واليمن وبالطبع حول الخليج. وأحسب أن مصر لا يمكنها إلا أن تستعد بقوة بعدة سيناريوهات، وشبكة من التفاهمات لملء الفراغ، وأن تسرع الخطي في تعميق التحالف الرباعي، والذي يضم مصر والسعودية والإمارات والبحرين،وبالتأكيد أن «ترتيبات أمنية عربية» هي الإجابة الأسلم عن هذه التحديات . وربما يري البعض طرح السؤال جاء مبكرا ، وربما ترامب ليس جادا في طرحه،إلا أن شواهد عدة تجبرنا أن نتوقف ونتأمل في الجوانب المتعددة لمثل هكذا سؤال .؟00ومن المفيد أن نفهم رؤية الإدارة الحالية لجوهر قضية الرحيل أو البقاء،وهنا ترامب يري أن هناك سببا وحيدا للبقاء في الشرق الأوسط، ألا وهو وجود إسرائيل، وأوضح ترامب في حوار مع صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية لقد أصبح النفط أقل شيئ يمكن أن نبقى من أجله، لأننا ننتج المزيد من النفط الآن, ولذلك قد يحدث أن نصل فجأة إلى مرحلة أننا لم نعد نحتاج للبقاء في الشرق الأوسط.وشرح ترامب كيف يري المنطقة بقوله: نحن نتحدث عن جزء خطير وعنيف في العالم، وكانت السعودية حليفا عظيما بالنسبة لنا، وبدونهم، ستواجه إسرائيل الكثير من المتاعب فنحن بحاجة إلى موازنة مع إيران، وأرى أنه من المهم جدا أن تظل السعودية حليفا لنا، لو أردنا البقاء في هذا الجزء من العالم الآن.
ومن جانبه أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن أي محاولة للمساس بالعلاقات الأمريكية-السعودية، ستعتبر خطأ فادحاً بحق الأمن القومي الأمريكي وحلفائه،فالسعودية القوة الضامنة لاستقرار الشرق الأوسط،. كما تساعد في التعامل مع اللاجئين، والتعاون بشكل وثيق مع مصر، وخصصت ملايين الدولارات لمحاربة المنظمات الإرهابية، كما أن النفط السعودي والاستقرار الاقتصادي للمملكة هما مفتاحا الرخاء الإقليمي وأمن الطاقة العالمي. وأكد في مقال بصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية: أين كان أولئك المنادون بحقوق الإنسان، عندما منح أوباما الأموال الطائلة لملالي إيران، لتصبح أكبر داعمة للإرهاب؟.
00ومن جهة أخري يثير الشرق الأوسط الكثير من الجدل خاصة في ظل مشاكل ترامب الداخلية وبعد سيطرة الحزب الديمقراطي علي مجلس النواب ،وتقول التقارير الصحفية من واشنطن إن عددا من الديمقراطيين المُنتخبين حديثًا يتمتع بخبرة طويلة في قضايا الأمن القومي والشئون الدبلوماسية، ويتطلعون إلى أن يتحدوا سياسات ترامب الخارجية، وعلى رأس هؤلاء توم مالينوفسكي، النائب عن دائرة الكونجرس السابعة في نيوجيرسي،وسبق أن عمل مساعد وزير الخارجية لشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمال.والرجل موقفه سلبي من مصر، ويقول مؤخرا: لا أرى أن مصر قدّمت أي شيء على الإطلاق لدعم الولايات المتحدة، وبالتالي فليس هناك من مُبرر لتقديم مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية لها.
وبالرغم من ذلك فإن مصر تتمتع منذ عقود من الزمن بدعم قوي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والعلاقة بين البلدين راسخة منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979. وكان وضع القاهرة كشريك استراتيجي لواشنطن في الشرق الأوسط راسخا، لكن هناك اتجاها منذ أمد طويل نحو تقليص دعم الكونجرس لعلاقات الولايات المتحدة مع مصر مثلما تقول ميشيل دَن، الباحثة بمؤسسة «كارنيجي للسلام الدولي»، والمسئولة السابقة في الخارجية الأمريكية، وتري أن نتائج انتخابات التجديد النصفي سوف تعزز هذا الاتجاه. ورغم ذلك فإنها تعترف بأنه: «لا يرغب البعض في وقف الدعم الأمريكي لمصر، لأنهم يخشون عدم الاستقرار. ولا أتوقع أن يحدث أي تغيير في هذه الرؤية» . وأحسب أن علينا الاستعداد لمواجهة هذه الاتجاهات السلبية، والعمل علي كسب مزيد من الأنصار في الكونجرس ووسائل الإعلام الأمريكية ومراكز الأبحاث.
00ويبقي أن الرد علي كل ذلك هو التضامن العربي، ولعل الوقت قد حان لأن يتقدم التحالف الرباعي العربي خطوة كبيرة علي طريق تحويله إلي كيان مؤسسي ، ونموذج نجاح في سرعة الحركة في التصدي للتهديدات وتحقيق التنمية السريعة، وتعميق الاندماج مابين اقتصاديات الدول الأربع، وإبقاء الباب مفتوحا أمام الدول الراغبة في العمل بسرعة وبقوة علي تحقيق استجابة عربية لمثل هذا الفراغ أو التراجع الأمريكي. ويقدم د. عبد المنعم سعيد تصورا مهما في مقالة بعنوان التحالف الاستراتيجي العربي، فهو يؤكد أن: التحالف العربي الرباعي الحالي يقوم بين دول تلاقت إرادتها على التعاون الأمني والاقتصادي وبأشكال شتى. ما تحتاج إليه الدول الأربع هو شبكة من الاجتماعات القيادية على مستوى قادة الدول ووزراء الدفاع ورؤساء الأركان ووزراء الاقتصاد والمالية تخصص لتحديد مستقبل التحالف. وفي الدول المتقدمة فإن شبكة من مراكز البحوث السياسية والإستراتيجية الرسمية وغير الرسمية تقوم بتوليد الأفكار والاستراتيجيات العليا التي تنظر في تنظيم وهيكلة اتخاذ القرارات وتعبئة الموارد التي تجعل المنظومة كلها تحقق أهدافها.وأحسب أن الوقت حان لبدء الحوار الصريح والموسع حول أي نوع من التحالف نريد، ومن هي الأطراف المؤهلة لمثل هذا التحالف، وضرورة تجنب الأطراف غير متحمسة للمضي قدما في تعزيز التحالف العربي.ولن يفيدنا كثيرا تجاهل الرؤى السلبية الأمريكية، ولابد من الاشتباك معها.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع