توقيت القاهرة المحلي 10:20:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماء لبنان وابن خلدون

  مصر اليوم -

ماء لبنان وابن خلدون

بقلم - سمير عطا الله

شرح مدير أحد الفنادق الصغيرة في بيروت أسباب غلاء زجاجة المياه، وبيعها بعشرة آلاف ليرة بدل الألف الواحدة، فقال عطوفته إن النادل الذي يقدم الماء في الفنادق يرتدي سترة بيضاء وسروالاً أسود؛ كلاهما مرتفع الثمن. وهذه تضاف إلى السعر الحقيقي.

لم أسمع شرحاً فلسفياً مثل هذا منذ قرأت نظرية ابن خلدون في التجارة التي لم تكن تروق له كثيراً. لكن عبقرينا التونسي يأخذ هو أيضاً عنصر كلفة اليد العاملة في الحساب، مستدركاً أن وسائلها ماكرة وأحابيلها كثيرة، وفيها شيء من القمار.

ونظر إلى التجارة في ازدراء: تتطلب الخداع، والنية على الدخول في المنازعة والخناق الدائم والعناد الطويل. ورأى صاحبنا في كل ذلك نقصاً في الرجولة والصدق! ولا شك أن التجارة ضرورة لا غنى عنها، لكنها عمل سيئ رغم ذلك.

التجارة لم تكن المهنة الوحيدة التي استنكرها. الجندية أيضاً. ويبدو أن الحياة التي حلم بها لنفسه وللعالم كانت شبه مستحيلة بسبب رقة نفسه، إذ كان يفضل أن يحصل الإنسان على رزقه من الطبيعة: في الزراعة، وصيد السمك، وصيد الطيور، والرعي، والحرف! لم يترك «وظيفة» إلا ومنعها: الخطابة، والفقه، والقضاء، مع أنه عمل قاضياً لمرحلة طويلة. بكلام آخر، كان متقشفاً إلى حد بعيد. ولذا، لم يترك لنا أية تفاصيل عن حياته الخاصة في سوريا أو مصر. لا نعرف مثلاً من هي زوجته، أو زوجاته، ولا إذا كان رزق بأبناء. في حين كان ابن بطوطة يبدأ سرد رحلاته بالحديث عما أهدي من زوجات ومنازل وسواها.

لا تزال «المقدمة» وصاحبها موضوع دراسات حثيثة في الغرب. كما لا تزال تصدر في ترجمات حديثة في لغات مختلفة. فالغرب يعتبره أحد آباء علم الاجتماع، رغم ما أهمل، لأسباب لا ندري حقيقتها: الإهمال أو الخوف أو التملق. فهو لم يأتِ مثلاً على ذكر الطاعون الذي ضرب سوريا أواخر القرن الرابع عشر. وكان من شدة تملقه إلى تيمورلنك، الجزار، أن كتب له متمنياً أن يصبح حاكماً على مصر أيضاً. ولم يحظ ابن خلدون في مصر بالتكريم الذي لقيه في سوريا، وكان عدد تلامذته فيها أقل بكثير منهم في دمشق.

دراسات كثيرة بقيت، ونظريات أخرى لم تعش، ومنها أنه كلما كبرت المدن زادت ثروتها. لا ينطبق ذلك اليوم على القاهرة أو مومباي أو ريو دي جانيرو، إلا أنه يصح عن نماذج كثيرة أخرى. وكان بالتأكيد ينطبق في زمنه على بغداد ودمشق.

ولا يزال مديرو الفنادق الصغيرة في بيروت يطبِّقون نظرياته، ولكن برفع السعر عشر مرات.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماء لبنان وابن خلدون ماء لبنان وابن خلدون



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 10:20 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
  مصر اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon