بقلم - سمير عطا الله
سماها البريطانيون «ساحل الذهب» لكثرة المعدن الكريم فيها. لكن بطل الاستقلال وأول رئيس وطني، الدكتور كوامي نكروما، أعطاها عام 1957 الاسم الأفريقي، غانا. خرجت زعامة نكروما من الإطار الوطني إلى الإطارين الأفريقي والآسيوي، ليقف إلى جانب زعماء المرحلة، نهرو وتيتو وسوكارنو وعبد الناصر.
الرئيس الجديد العازب طلب من مواطن له يعرف مصر جيداً أن يتدبر عروساً مصرية. بعث الصديق بصور خمس مرشحات، اختار منهن معلمة المدرسة فتحية سليم رزق، التي وصلت برفقة شقيقها إلى أكرا ليلة عام 1958، وأصر كوامي على أن يتم الزواج في الليلة ذاتها.
وجدت الصبية المصرية نفسها أول سيدة أولى لإحدى الدول الأفريقية المهمة، وانضمت إلى الزوج في قصر «أوسو» الذي كان في الماضي مركزاً لتصدير العبيد إلى أميركا. الملايين منهم. وقيل للعروس المصرية إن القصر مسكون بمئات آلاف الأرواح المعذبة. وزاد في قلقها موقف السيدات الغانيات منها. فقد اعترضت الجمعيات النسائية على زواج الرئيس من بيضاء. واضطر إلى استرضائهن بالقول إنها سمراء ومن بلد أفريقي.
قيل آنذاك إن الرئيس جمال عبد الناصر كان وراء الزواج لأسباب سياسية، غير أن جمال نكروما، الابن الأكبر، روى أن عبد الناصر عندما علم بأمر الزواج المرتقب، استدعى فتحية وتأكد منها أنها تذهب بخيارها الكلي، من دون ضغط أحد. المعارض الوحيد للزواج كانت والدة فتحية. فقبل ابنتها، تزوج ابنها البكر من إنجليزية وهاجر معها. وها هي ابنتها تتركها أيضاً لتعيش خارج مصر.
عام 1966 كان نكروما في زيارة إلى الصين وفيتنام الشمالية عندما احتلت زمرة عسكرية القصر وأعلنت عزله. ولم يكن أمام فتحية وأبنائها الثلاثة سوى العودة إلى مصر. وفي طريقها إلى مطار غانا، توقفت أمام السفارة المصرية لكي تستعير من زوجة السفير معطفاً يقيها البرد القارس آنذاك. ولم يعد نكروما إلى غانا إلا رماداً. فمن فيتنام توجه إلى الإقامة في غينيا، عند صديقه أحمد سيكوتوري، الذي كان قد أطلق اسمه على اسم ابنه الثاني. وتوفي هناك عن 62 عاماً.
الابن البكر، جمال، انضم إلى أسرة «الأهرام ويكلي». وكلما حرصت على إضاءة أفريقية إضافية، أو حتى مصرية، أبحث عنه كالمعتاد، والجزء الكثير من مادة هذا العمود مأخوذ من مقالة عن أمه ظهرت عام 2000، قبل سبع سنين من وفاتها في تدهور صحي عام 2007.
ذلك العام غابت «الأرنبة» كما كان يسميها كوامي. فهو يحب مثل الأفارقة تناول اللحوم، وهي تحب الخضراوات، حتى على الطريقة الغانية. وفي حين اختار جمال الحياة في مصر، عادت شقيقته سامية إلى غانا لتعمل في السياسة والصحافة، وهي الآن في مجلس النواب.
إلى اللقاء...
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع