بقلم: سمير عطا الله
لا شك أن الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة جرت في العالم العربي! وأي تفسير آخر لنتائجها، تحايل أو هروب من الحقيقة، التي تكبر يوماً بعد آخر أمام الأوروبيين وأمامنا. فما يسمّونه اليوم اليمين المتطرّف هو في الحقيقة تطرّف ضدّ المتطرّفين الإسلاميين. لكن ما بين هذا وذاك، يضيع أيضاً الأوروبيون المعتدلون والعرب الوسطيّون. ولم يكن أحد من الفريقين يتوقّع نتائج أخرى. فالمثال الأول كانت قد أعطته بريطانيا التي خرجت من القارّة برمّتها، من أجل أن تسدّ النوافذ والأبواب أمام المهاجرين، ولو كلّفها ذلك مئات المليارات وخسائر كبرى في الاقتصاد.
العالم اليوم منقسم حولنا. وعندما يذهب إلى الاقتراع، ينسى جميع قضاياه من أجل أن يعبّر عن موقفه من الهجرة العربية إليه. صحيح أن هناك مهاجرين آخرين، من أفريقيا وغيرها، ولكن المقصود الأول بالخوف هم المهاجرون العرب. وإذا كان من ناجح في وصول الحالة إلى هذا، فهو أسامة بن لادن الذي اختار أن يوسّع الشرخ بين المسلمين والغرب، ويعلن العداء الكامل للآخرين، من خلال تلك الغزوة الانفجارية الشهيرة في 11 سبتمبر (أيلول). ذلك كان الهدف الأسمى لـ«القاعدة» ومتفرّعاتها. ولذا لم تتوقف عند أبراج نيويورك، بل وزّعت شاحنات الدهس في برلين، وأعلنت قانون الفظاعات في سوريا والعراق، ورسمت دولة الخليفة والخلافة، ونجحت في تنفير الآخرين وإخافتهم، وحوّلت مناطق كثيرة في أوروبا وأميركا إلى «غيتوات» مغلقة شبيه بما كان عليه حال اليهود في الماضي.
انقسمت أوروبا على نفسها في الموقف من جاليتها الثالثة. هناك دائماً أهل الرقي والإنسانية والعراقة الذين لا يرتضون أن تتحوّل قارّتهم مرة أخرى لمعاقل الفاشية والفكر العنصري ومكاره وأحقاد الدهماء والرعاع، وهناك في المقابل الحائرون والخائفون والعنصريون أنفسهم. الفريق الأول يؤمن بأن سلامة أوروبا في الاحتضان والتعايش ورفع مستويات المفاهيم الإنسانية. والفريق الثاني لا يمانع أن يعرّضها إلى ما تعرّضت له زمن الفاشية والنازية وصفاء العرق الأوروبي الواحد. كل انتخابات في أوروبا بعد اليوم، سواء أكانت محلّية أم قارّية، سوف تكون فيها قضية المهاجرين الموضوع الأول. وسوف يكون محزناً أن نشهد انحسار الوسطيين الكبار من أمثال أنجيلا ميركل، وبروز الزعامات العدمية. فالعدميات يغذّي بعضها البعض، وكذلك الظلاميات، والأمل دائماً بتيار يحكم فيه العقل والضمير.