بقلم - سمير عطا الله
كتاب الشيخ محمد بن راشد «قصتي في 50 عاماً» لا يكتب عنه لأنه لا يلخص. الطريقة الوحيدة هي أن تقرأه، لأنك لن تجد بين المذكرات العربية في غنى مثل هذه التجارب وفرادتها ودلالاتها: زعيم عربي بلا أعداء، بلا حروب، بلا صراعات، ورحلة نصف قرن في البناء والعمران. وآخر أخبار أمس أن موانئ دبي اشترت موانئ بلد خارجي. أين؟ في تشيلي، نهاية الأرض.
طبعاً مذكرات مثيرة لكنها كاشفة أيضاً لأسباب الفشل العربي المدمّر. خذ حكايته مع القذافي يوم أراد ملك ملوك أفريقيا أن يقلد تجربة دبي. أرسل إليه الشيخ موفده محمد القرقاوي، فاستقبله بعد أيام في خيمته الزاهرة وهو يتظاهر بالعمل على كومبيوتر، دلالة المعرفة بالتكنولوجيا. وتبين للقرقاوي أن المسرحية سقيمة، وأن الأخ العقيد مكتف بتغيير وجه العالم عبر نظريته الثالثة.
جرِّب في المقابل أن تقرأ مذكرات لي كوان يو، صانع التجربة السنغافورية المذهلة. استدعاه الزعيم الصيني دنغ كسياو بنغ، وقال له، علمنا. نريد الخروج من التخلف. وكان صادقاً، لأنه يعرف الفارق الرهيب بين النظريات وبين التقدم والحياة.
سافر الشيخ محمد بنفسه إلى ليبيا لكي يدرس الوضع ويقدم نصائحه إلى الأخ القائد: «في اليوم الأول ذهبنا إلى المدينة القديمة التي تشعرك بالحزن. كيف لبلد بمثل هذه الثروة أن يكون هكذا؟ مجارٍ على الطرقات. نفايات مرمية هنا وهناك. حتى دبي في الخمسينات عندما كانت الموارد محدودة والمياه شحيحة والناس بلا كهرباء، لم تكن بهذا البؤس أبداً. بعدها قمت بزيارة القذافي في خيمته بمدينة سرت وكما في المرة السابقة تولى الحديث طوال الوقت».
يروي حاكم دبي، من مقره في هذه البقعة من العمران والرفه، كيف شهد تدهور لبنان الذي أحبه، أمام التدخلات الخارجية الضارية، وكيف قاد صدام العراق إلى الغزو والخراب، وكيف بدأ بشار الأسد بنوايا إصلاحية، محاولاً هو أيضاً الإفادة من تجربة دبي، ثم انتهت سوريا إلى الحرب والدمار.
طلبوا نصيحته ولم يصغوا إليه. يقول الشيخ محمد إنه عندما رأى نتائج الفساد في ليبيا أدرك أن لا أمل. فيما مضت دبي في مسيرتها. ذهب ذات مرة بالبحر إلى البصرة، ومنها إلى مقابلة صدام حسين، وعرض عليه الإقامة الآمنة في دبي. لكن صدام كان يريد إنقاذ العراق. كما جرى.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع