بقلم : سمير عطا الله
الديكتاتورية حكم شديد الوضوح، ومتوقع في كل الحالات. الديمقراطية نظام قابل للخلل، وأحياناً للخطأ. استغل نصف المقترعين اللبنانيين، نظام الخيار الانتخابي فقرروا ألا ينتخبوا. صوتوا بالتغيب ضد الفساد الآسن، والوعود المملة، وضحالة المستوى الوطني. المفاجأة الأخرى كانت التصويت الشديد للأحزاب التي رفعت شعار محاربة الفساد ووقفت ضد رموزه مثل «القوات اللبنانية» التي حصدت كتلة نيابية وازنة، وحزب الكتائب الذي بدأ يستعيد بعض حضوره الشعبي مع رئيسه سامي الجميل.
نصف الناس اعتبروا أن الانتخابات لن تغير شيئا في خريطة السلطة السياسية وهجوميتها. وكان فاقعاً ومضحكاً تبادل التهم بدفع الرشى، لأنك بدل أن تحتار مَن مِن الفريقين، تصدق الحل في أن تصدقهما معاً. وبكل ضمير مرتاح.
الآن انتهت معركة عضوية البرلمان وسوف تبدأ معركة رئاسة البرلمان وتشكيل الحكومة الجديدة. فالتيار الوطني المحازب للرئيس ميشال عون خاض معركته على أنها معركة «العهد». والرئيس نفسه اقترع «للعهد» وأعلن أن الحكومة سوف تشكَّل بمن يرضى ويرتضي. وشرح ذلك أنه لن يتوقف عند رأي معارضيه، وفي صورة خاصة الرئيس نبيه بري والأستاذ وليد جنبلاط.
وقبل يوم الانتخابات بساعات، عقد الوزير جبران باسيل، صهر الرئيس ووريثه في سائر المواقع، مؤتمراً صحافياً كرسه للتحدث عن مكاسب الرئيس بري المذهبية في الوظائف. وبلغ الكلام الطائفي مستوى لم يعرفه من قبل. ونقل التيار الوطني معركته مع رئيس المجلس إلى العواصم الخارجية، ومنها موسكو، حيث كلف أحد نوابه الذين على علاقة جيدة مع الكرملين، أن يطلب من سيرغي لافروف أن يطلب من فلاديمير بوتين، أن يتدخل لدى إيران وسوريا ضد الرئيس بري.
يومها أبلغ حامل الرسالة بأن موسكو لا شأن لها في الخلافات السياسية بين اللبنانيين. وفي أي حال، خسر النائب مقعده في الانتخابات الجديدة، لكن التيار لن يعوزه وسيط إلى موسكو وسواها.
على أن الافتراض أن بري لم يعد ذلك الزعيم القوي، مسألة يغلب فيها التوتر على العقل، والوتر على العقلانية. ولذا، قد تكون المعركة بالغة الصعوبة، ورحاها أبعد من اللون البرتقالي. فاللعب بالنار الطائفية مغامرة بشعة في كل فصولها.
نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع