بقلم: سمير عطا الله
شهدت العلاقة السعودية المصرية خلال المرحلة الناصرية، توتّراً يقارب العداء. فقد وصلت ثورة 23 يوليو (تموز) رافعة شعار إلغاء الملكية، أسوة بما حدث في القاهرة. بدأت الحملة إعلامية، وتطوّرت إلى تهديد عسكري مباشر في المغرب والأردن واليمن والعراق والسعودية. كان المفكّر والمستشار الأوّل في الحملة الإعلامية، الأستاذ محمد حسنين هيكل. وكان رمزها. وبعد 1967 أحدث عبد الناصر تغييراً جوهرياً في سياسة مصر الخارجية، وعقد المصالحات مع خصومه العرب، وتغيّرت لهجة القاهرة و«صوت العرب» كثيراً حيال دول مثل السعودية والأردن.
عام 1970، غاب عبد الناصر، وأُطفئت أنوار النزاع. وظلّ هيكل وحده في موقع الهجوم، في الداخل والخارج. بل ظلّ يرفع وتيرة اللهجة القاسية دون توقّف. ورأى في إيران الثورة عدوّاً للخليج فذهب إليها. وعارض السادات ومن بعده مبارك، ولم يقرّر الهدوء إلا مع مجيء عبد الفتّاح السيسي، وقد سألته يومها عمّا يقال عن علاقة وثيقة مع الرئيس الجديد، فأجاب على طريقته، مبدياً الفرح بأن السؤال يُطرح عليه، والناس تعرف أن صوته مسموع في القصر الجمهوري. طرحت موضوع السعودية والخليج مع الأستاذ هيكل مرّات كثيرة. ثم توقّفت عن ذلك، إذ خشيت أن يتبادر إليه أنني مكلّف بذلك؛ خصوصاً أن صحافيين آخرين كلّفوا أنفسهم تلك المهمّة في جملة ما يعرضون، وكان أن فضح طفيلياتهم أيضاً على طريقته. لكن لماذا تغيّرت مصر وتغيّر العالم ولم يتغيّر هيكل؟
اعتقادي الذي لم أسمع سنداً له من أحد، أن هيكل يدرك أنه إذا تغيّر عبد الناصر، فسوف يبقى عبد الناصر. أمّا إذا تغيّر هيكل، فسوف يفقد عبد الناصر وهيكل معاً. عبد الناصر كان كل ما يملك، وإذا تراجع هو عن ولائه له، لن يعود الناطق الوحيد باسمه، وصديقه وأمين سرّه. ربطت هيكل صداقات بعرب كثيرين، كان أحدهم الصحافي اللبناني مصطفى ناصر. وقد صدر أخيراً كتاب للزميل طارق فريد زيدان بعنوان «الجورنالجي وكاتم الأسرار: محمد حسنين هيكل ومصطفى ناصر، أسرار وذكريات» (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر). تجب الإشارة إلى أن ناصر هو الذي قدّم زيدان إلى هيكل، باعتباره صهره. ولا بدّ أنه كان في نيّة ناصر وصهره، تدوين تلك اللقاءات السياسية بغرض نشرها ذات يوم.
في الكتاب محطّات كثيرة يجدر التوقّف عندها. فـ«الأستاذ» كان غزيراً في الحديث، كما فيما سمّاه «المقال المستطرد». ومصطفى ناصر كان جريئاً وصريحاً في طرح القضايا والمواضيع. غير أنني بالصداقة التي دامت مع الأستاذ نحو 40 عاماً، توقّفت عند أمر مدهش، غير مفاجئ. أوّل المتّصلين بعائلة هيكل لتقديم العزاء، كان الملك سلمان بن عبد العزيز.