بقلم - سمير عطا الله
قال نجيب محفوظ، عظيم الأدب المصري، للناقد الكبير رجاء النقاش:
ما زالت وقائع يوم وفاة عبد الناصر ماثلة في ذهني وكأنها جرت بالأمس القريب. في ذلك اليوم، كنت عائداً من مدينة الإسكندرية مع أسرتي. وفور انتهائنا من تناول طعام العشاء، جلست لمشاهدة التلفزيون، وقبل أن أدخل الفراش، لاحظت أن القناة الأولى في التلفزيون تبث تلاوة قرآنية في غير موعدها، فأدرت المؤشر إلى القناة الثانية، فوجدت أيضاً تلاوة قرآنية، وبدأ الشك يتسلل إلى نفسي، ووردت إلى ذهني خواطر كثيرة؛ قلت لزوجتي إنني أشعر بأن تلاوة القرآن المتكررة في التلفزيون، وفي هذا الوقت من اليوم، وراءها شيء ما. ولما استوضحتني زوجتي، قلت لها إنني أظن أن الفلسطينيين قتلوا الملك حسين؛ كان ظني مبنياً على أساس الموقف المتفجر بين الملك حسين والفلسطينيين، بعد مذابح سبتمبر (أيلول)، أو ما سمي «أيلول الأسود».
في تلك الأيام، كان يعمل لدينا خادم في البيت، كنا أرسلناه في شراء بعض الحاجات. فما إن عاد، قال لي: «إن الريس مات»، وإنه سمعهم في الخارج يقولون ذلك. أصابني الذهول والاستنكار، وأسكت الخادم، وطلبت منه عدم تكرار مثل هذا الكلام أمام أي شخص.
في الحقيقة، لقد هزتني كلمة الخادم، وشعرت بالخوف من أن يكون صادقاً فيما قاله، كما شعرت بالخوف على أسرتي خشية من أن يكون كاذباً، فيسبب لنا متاعب نحن في غنى عنها. وظللت على هذه الحال من الحيرة والقلق أمام جهاز التلفزيون حتى انتهت تلاوة القرآن، وتم الإعلان عن أن نائب الرئيس أنور السادات سوف يلقي بياناً إلى الأمة. ولما أطل السادات بوجهه على شاشة التلفزيون، قلت لزوجتي: جمال عبد الناصر مات!
لقد كنت في بيتي عندما أعلن عن تولي أنور السادات مسؤولية الحكم بعد عبد الناصر، وضربت كفاً بكف وأنا غير مصدق، وقلت لزوجتي: هذا الرجل هل سيصبح رئيساً لمصر؟!
ورغم أن السادات كان هو الوحيد من بين أعضاء مجلس قيادة الثورة الذي كنا نعرفه، فإن منزلته في نفوسنا متدهورة. وكنا نعتبر السادات في آخر صف من قيادات ثورة يوليو (تموز)، خصوصاً أن دوره ظل لسنوات طويلة شرفياً، مقارنة بعبد الناصر وعبد الحكيم عامر وزكريا محيي الدين والبغدادي وكمال الدين حسين، وبمعنى أوضح: كان السادات العضو «المركون» أو «الاحتياطي»، كما لم يتولَ منصباً مؤثراً طيلة عصر عبد الناصر. ولذلك، لم أتصور أبداً أن يكون هو خليفة عبد الناصر. ولما حدث ذلك بالفعل، اعتبرت المسألة غاية في السخف.
إلى اللقاء..
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع