بقلم - سمير عطا الله
بنى المصريون، من دون شعوب الأرض، شيئين: الأهرامات وقناة السويس. الذي قام بالعمل كان المصري، البسيط، العامل والفلاح. أعلى الأهرام حجراً حجراً، وحفر القناة شبراً شبراً، ونقل الرمال على ظهور الحمير. ومات الألوف تحت الماء أو تحت الأثقال.
وأخيراً قال الخديو إسماعيل للباش مهندس دي لسبس: «خلاص يا فردينان. ما فيش بقا مصريين يموتوا عشان خاطر البحر الأحمر أو الأزرق». كان أكثر من مائة ألف فقير قد ماتوا. وبحث المهندسون عن آلات تحفر وتضخ وتختصر الطريق البحرية حول العالم.
فرنسي آخر كان عينه على المشروع الهائل: النحات فريدريك أوغوست بارتولدي، فطلب إلى دي لسبس أن يقيم تمثالاً ضخماً على مدخل القناة، يمثل فلاحة مصرية بالثوب الشعبي، وكتب عليه: «مصر تنير آسيا». لم يقتنع دي لسبس بالفكرة، فحملها صاحبها إلى أميركا وبنى مكانها ما يعرف الآن بـ«تمثال الحرية» على مدخل نيويورك، ويرمز إلى استقلال أميركا.
حارب البريطانيون فكرة حفر القناة لأن اختصار الطريق البحرية يضر باقتصادهم. وهاجمت صحف لندن دي لسبس على أنه محتال ومشروعه وهمي. لكن عندما استحقت الأميرالية الأمر راحت تسعى إلى شراء أكبر عدد ممكن من الأسهم.
بدأت فكرة القناة مع الفراعنة. وحاول نابليون تنفيذ المشروع، ثم عدل عنه. ولولا إلحاح دي لسبس على أصدقائه، أبناء محمد علي، لما أقدم على المشروع الخيالي المذهل، وعندما حاول فيما بعد أن يشق قناة بنما، أخفق في ذلك. لم يكن هناك عمال مصريون.
ارتبطت العلاقة المصرية - الفرنسية بالقطن والقناة والاكتشافات الأثرية الكبرى. ثم وصل إلى الحكومة في باريس سياسي متهور يدعى غي موليه هدم كل شيء عندما اشترك مع بريطانيا وإسرائيل في العدوان على القناة التي كانت رمزاً لما يمكن أن يتركه الاستعمار في البلدان المستعمرة. وكانت حرب القناة أيضاً بداية انحسار النفوذ الفرنسي والبريطاني في المشرق العربي والمغرب والخليج.
وأصبحت القناة التي كانت رمز الروابط، رمز العداء. وأغلقها حطام السفن العالقة التي أخذت على حين غرة وهي مبحرة في رحلاتها التجارية العادية. وساعد العدوان في تفجير حرب الاستقلال في الجزائر وعدن. ولم تعد العلاقة العربية – الفرنسية إلى سويتها إلا بعد موقف ديغول على أثر نكسة 1967، ومن قبلها موقفه من استقلال الجزائر.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع