توقيت القاهرة المحلي 21:08:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قد جاء يعتذر

  مصر اليوم -

قد جاء يعتذر

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

في هذه المهنة العظيمة، تمر الأحداث بالصحافي خلافاً لما تمر بسواه. عند غيره، تمر عابرةً، سريعةً، بلا أثر. حدث يحل محل آخر. هنا يتولى الصحافي مهمة التدوين والتحليل والتأمل. وهو يتأثر أحياناً بما يجري بعيداً أو قريباً منه، بحيث يصبح جزءاً منا لحدث. يستنكر ويقدّر. يعجب بالبعض ويشجب البعض الآخر. يتعامل مع رموز البطولات والجنون والشر والبناء والتسامح، وكأنه مواطن في بلدانهم.

إنه يتعاطى مع بعض الظواهر التاريخية كل يوم، بسبب مهنته، لا بسبب رغبته. وبعكس القارئ العادي، أو غير المعني، تغلب عليه مشاعره ومواقفه. و«العاطفيون» منهم يصبح كل بلد بلدهم، وكل قضية قضيتهم. وكان بعض الزملاء يأخذون علي أنني أعود دائماً إلى ستالين وهتلر، إلى أن شاهدنا معاً ظهور خلفائهم من بول بوت، وأغوستو بينوشيه، وجنرالات الأرجنتين.

متابعة هذه الظواهر بالنسبة إلى الصحافي ليست خياراً ولا ترفاً. ومهمته أو قدرته، ليست تغيير العالم، لكنها بالتأكيد الشهادة عليه. أوائل السبعينات شاهدنا المستشار الألماني التاريخي فيلي برانت يركع معتذراً عما فعله الألمان بأهالي الأودر- نايسه خلال الحرب العالمية الثانية. كان المشهد مذهلاً ومروعاً. لم يسترد ركوع برانت حياة واحدة من ضحايا النازية، لكنه أدخل شيئاً من الراحة إلى نفوس الألمان المثقلة بالذنوب.

كانت تلك سابقة أدخلت على السياسة الدولية، قلدها الكثيرون من الشعوب القاتلة ذات مرحلة، مثل اليابانيين والكوريين. والاعتذار لم يكن سببه الحرب، فالحرب هي الحرب، إنما كان السبب الفظاعات والوحشيات والجرائم.

اكتشف الألمان واليابانيون وسواهم بعد قليل أن الاعتذارات لا نهاية لها. وبسبب كثرتها فقدت معانيها ولم يعد أحدٌ يأبه بها. وماذا يفيد أن يعتذر رجلٌ هو مثال الإنسانية، عن كائن هو مثال الهمجية المجنونة في البلد؟

الشعوب، مثل الأفراد، تُصاب بنوبات أو موجات توحش. قبل أعوام كنت أتحدث إلى صديق يوناني بالغ الحساسية القومية، وقال لي، جاءنا قبل أسابيع الرئيس الألماني يواخيم غاوك وألقى خطاباً اعتذر فيه عما فعل الألمان بنا خلال الحرب، ومن شدة تأثره أجهش بالبكاء. فراحت زوجته تحاول التخفيف عنه.

أضاف الصديق، بين السخرية والألم، «يشفق المرء على الألمان. ليس هناك بلد أو شعب لا يدينون له باعتذار». من يقرأ التاريخ اليوناني الحديث كمن يقرأ المأساة الإغريقية القديمة. ذبحهم النازيون ثم الشيوعيون. قتلوا النساء والأطفال، مرةً باسم البطولة، مرةً باسم الخيانة. وفي الحالتين مع الاعتذار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قد جاء يعتذر قد جاء يعتذر



GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon