بقلم : سمير عطا الله
يفيد بحث دولي أن أكثر مدن العالم ازدحاماً هي بوغوتا، عاصمة كولومبيا، تليها دبلن، عاصمة آيرلندا. واضعو الدراسة لم يشاهدوا الرياض في السابعة صباحاً، أو جدة في السابعة من مساء الخميس. كلما تأملت هذا المشهد، أتساءل، أي نفط سيكفي في المستقبل، مثل دورة الحياة هذه؟ لقد طرح الأمير محمد بن سلمان على السعوديين رؤية كان من المستحيل أن تخطر لأحد: هل يُعقل أن هذا البحر من النفط، سوف يخف ذات يوم؟ يا سيدي نعم، يعقل. وإذا كنت غير مقتنع، حاول أن تحصي الطائرات المقلعة، والتي على وشك الإقلاع، في مطار جدة. تأخرت رحلتنا إلى بيروت، ليس من ازدحام الأجواء، بل المدارج. أكثر من نصف ساعة تسير قبل وصولها إلى منطلق الإقلاع.
تصادف موعد قمم مكة، مع العام الثاني لبيعة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان. طبعاً قرأت مقالات المناسبة. لعلها كانت معدّة قبل صدور «وثيقة مكّة». فمن مكّة قدمت السعودية أيضاً الرؤية الحاسمة في الإيمان: الإسلام سعة سمحاء، لا تقبل إهانة أبنائها. والمرأة، أم، قال عنها الرسول صلّى الله عليه وسلم، الجنّة تحت قدميها. ولا مكان للعبث الفكري الذي ضيّع المسلمين وشتّتهم وجعل منهم أعداء لأنفسهم: الإسلام الحاضر في مكة، هو الإسلام العظيم بروحه الوسطية، وتقاربه مع شعوب العالم وتعارفه معها، أي انفتاحه عليها.
أثارت المقابلة التي أدلى بها الصديق الشيخ عائض القرني ضجة حول العالم، من حيث المفاهيم التي فاجأ الناس بطرحها: هل هو يمثل نفسه ورفاقه أم الدولة أيضاً؟ طرحت السؤال على مثقف كبير في جدة، فقال ثمة رؤية عامة تتغير برمّتها. الشيخ عائض لم يعلن أنه تغير، بل إنه يعود إلى وسطية الإسلام وروحه. وبهذا المعنى، فإنه، أجل، يمثل الاتجاه العام الجديد. يبدو هذا الاتجاه واضحاً في المجتمع بكل مكوناته. المرأة أصبحت تعمل بائعة في المخازن، وهي أيضاً تصدر مجلة «وجهات» أو Destinations. وقبل أن تقرأ أسماء رئيسة التحرير والعاملات، لا يمكن أن تصدق أنها تصدر في جدة. أو أن هذه الوجوه التي تملؤها هي وجوه سيدات من السعودية والعالم العربي. يطل الشباب في الصورة الجديدة بعلومه وطاقاته وكفاءاته.
في زيارتين متقاربتين إلى الرياض وجدة، «أحصيت»، مثل الصعيدي في أول زيارة إلى القاهرة، ثلاث سيدات يقدن سيارة. الأولى، أمام الفندق، وكان واضحاً أنها غير سعودية ومن طبقة ثرية، والثانية كانت سيدة سعودية مع أخواتها في سيارة يابانية عادية، والثالثة صبية تقود سيارة رباعية. هل هذه هي السعودية الجديدة؟
هذه، وغيرها أيضاً. في «وجهات» مقابلة مع سائقة تدعى ريما الجفالي. أي سائقة سباق و«فورمولا 4». وعذراً لأني لا أعرف الفرق مع بقية الفورمولات ودرجاتها. لكن هذه البطلة سعودية.
إلى اللقاء..