بقلم - سمير عطا الله
كان بيتاغوراس أحد آباء الفلسفة والعلوم في اليونان. وتُنسبُ إليه أيضاً أبوة علم الجيوميتري، بسبب تأثيره على سائر الفلاسفة، ومنهم أفلاطون وأرسطو، صُنِعت من حولِهِ مُبالغات وإشاعات كثيرة، من دون أن يكون معظمها غريباً، أو بعيداً عن التصديق. فالذي كان لا يُصدّق في عقلٍ مثل عقل هذا الرجل، عداؤه الشديد للفاصوليا. وبالذات العريضة منها. وبرغم أنه كان من النباتيين، فقد ظل على عداء مقيم مع الفاصوليا العريضة، مقتنعاً مع المصريين القدامى، وأهل روما، بأنها رمز للموت. ولم يكن الطب قد اكتشف، آنذاك على الأرجح، أن الفاصوليا العريضة المسكينة تسبب بغير قصدٍ منها، الحساسية لدى بعض الناس.
وكتب المؤرخ الشهير هيرودوتس أن المصريين رفضوا زرع الفاصوليا كلياً. مع أن هذا الخبر مشكوك فيه، كما في أشياء أخرى أوردها أبو المؤرخين. لكن أحداً لم يبلغ الرعب الذي بلغه بيتاغوراس من الفاصوليا العريضة، إذ كان متأكداً من أنها تحمل أرواح الموتى، وذلك بسبب الشبه بينها وبين اللحم البشري. ورأت جماعات كثيرة مثله أن تناول الفاصوليا يوازي أكل اللحوم البشرية.
وذهب أرسطو في مخيلته أبعد من ذلك بكثير، فكتب أن شكل حبة الفاصوليا يشبه صورة الكون. غير أن عدداً كبيراً من اليونانيين سخروا من قناعات عالمهم الفاصوليتية. وكتب الشاعر أوراسيو قصيدة يصف فيها هذه البروتينيات بأنها «أقرباء بيتاغوراس». وأعرب أرسطو أيضاً عن اعتقاده بأن أتباع بيتاغوراس تمنّعوا عن أكل الفاصوليا كنوع من الاحتجاج السياسي ضد الديمقراطية؛ لأن حبوب الفاصوليا الملونة كانت تُستخدم في عمليات الاقتراع. من أغرب الروايات التي ربطت بين الفيلسوف وبين خرافته التي تبدو مضحكة اليوم، أنه اختبأ في أحد الكهوف خوفاً من ديكتاتور كان يلاحقه. وفي الكهف لامس نبتة من الفاصوليا، فمرض ومات. وفي رواية أخرى، أن رجال الديكتاتور طاردوه في البرية إلى أن هدَّه التعب في حقلٍ من حقول الفاصوليا، وهناك احتجز وقُتل.
كتب الطبخ التي تصدر الآن تعدد أنواع الوجبات التي يمكن صنعها من هذه النبتة الغامضة. ويعدد المتخصصون في التغذية فوائدها الكثيرة؛ إلا أنهم لا يزالون يؤكدون على تسببها في حساسية كانت قاتلة في حوض المتوسط في الزمان الثالث. ولذا أعطي اسمها إلى أحد الاضطرابات المعوية التي كانت تصيب الأطفال.بعيداً عن فنون الطهي الفرنسية، وخصوصاً الإيطالية، فإن أهل الأرياف العرب عشقوا هذه النبتة على أنواعها، عريضة أو نحيلة أو صغيرة، بيضاء أو حمراء، أو بين بين. والداعي لكم بدوام الصحة والعافية، لا يفتقد نوعاً معيناً من أنواع الطعام إلا ما تعوَّده على يد جدته وبركاتها. وهو بالتأكيد الطعام النباتي الذي لم يكن متوفراً سواه. وإذا كان لا بد من خيار واحد، فالفاصوليا على أحجامها وألوانها، متبلة، أو مطبوخة، أو مسلوقة مجردة.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع