توقيت القاهرة المحلي 06:46:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عذاب النور

  مصر اليوم -

عذاب النور

بقلم - سمير عطا الله

فاز البرتغالي جوزيه ساراماغو بـ«نوبل» العام 1998 على مجموعة أعماله الأدبية، وأشهرها رواية بعنوان «العمى». ويخطر للكثير منا المقارنة بين الرواية وبين كتاب طه حسين الشهير «الأيام». تُرجِمَت «الأيام» إلى لغاتٍ كثيرة، وحظيت لدى الأجانب، خصوصاً الألمان، باهتمامٍ كبيرٍ من النقّاد. ومرة تلو أخرى ألاحظ أن الأجانب تألموا لأيام طه حسين أكثر منا. إحساسهم حيال الألم أعمق من أحاسيسنا. فالكثيرون من المُبصرين كانوا يعيشون حياة مشابهة لحياة «صاحبنا» أو «الفتى»، كما كان يشير طه إلى نفسه وهو يروي الصعوبات التي ولد فيها على حافة قناة كان يعتبرها حدود العالم.
سوف نلاحظ أن الفارق الأساسي بين أدب ساراماغو ورواية طه حسين هو الغنى في التفاصيل. فالتفاصيل قليلة عند عميد الأدب العربي لأنه كان يرى بحواس كثيرة، ليس بينها حاسة البصر. وكان يستعين على كل شيء بعيون الآخرين، خصوصاً تلك الزوجة التي لا يمكن وصفها فقط بأنها شريكة حياة.
كان «العميد» يترك المشهد إلى آخر بسرعة فيؤثّر فيك بالموقف بدل الوصف، وبالمشاعر الداخلية بدل الانطباع. وقد شابهه في ذلك مُبصِر أميركا اللاتينية الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. وكان الشبه الآخر البلاغة الكبرى عند الرجلين. ولعلّ كليهما أراد أن يثبت لعالم المبصرين أنه يملك من اللغة ما لا يملكون. ويخيّل إليَّ أنه لو لم تطغَ البلاغة الشديدة على ملحمة طه حسين، الإنسانية، لتركت أثراً أعمق على رغم عمق الأثر الذي تركته.
إليكم هذا المشهد من طفولة البصير الفذّ: «كان يخاف أشدَّ الخوف أشخاصاً يتمثلها قد وقفت على باب الحجرة فسدّته سدّاً وأخذت تأتي بحركات مختلفة أشبه شيء بحركات المتصوفة في حلقات الذِّكر.
وكان يعتقد أن ليس له حصن من كل هذه الأشباح المخوفة والأصوات المنكرة، إلا أن يلتفَّ في لحافه من الرأس إلى القدم، دون أن يدع بينه وبين الهواء منفذاً، أو ثغرة، وكان واثقاً أنه إن ترك ثغرة في لحافه فلا بدَّ من أن تمتد منها يد عفريت إلى جسمه فتناله بالغمز والعبث.
لذلك كان يقضي ليله خائفاً مضطرباً إلى حين يغلبه النوم، وما كان يغلبه النوم إلا قليلاً.
كان يستيقظ مبكراً، أو قل: كان يستيقظ في السحر، ويقضي شطراً طويلاً من الليل في هذه الأهوال والأوجال والخوف من العفاريت، حتى إذا وصلت إلى سمعه أصوات النساء يَعُدنَ إلى بيوتهن وقد ملأن جرارهن من القناة وهنَّ يتغنَّين: «الله يا ليل الله..». عرف أن قد بزغ الفجر، وأن قد هبطت العفاريت إلى مستقرّها من الأرض السفلى، فاستحال هو عفريتاً، وأخذ يتحدّث إلى نفسه بصوتٍ عالٍ، ويتغنّى بما حفظ من نشيد الشاعر...».

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عذاب النور عذاب النور



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 17:41 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
  مصر اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 02:00 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ
  مصر اليوم - تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 17:46 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تواصل النجاح على المسرح بعد السينما
  مصر اليوم - منة شلبي تواصل النجاح على المسرح بعد السينما

GMT 04:49 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

"الأرصاد المصرية " تعلن عن درجات الحرارة المتوقعة الأربعاء

GMT 03:57 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

توماس توخيل يتوج بـ11 لقبًا قبل بداية مشواره مع منتخب إنجلترا

GMT 12:10 2021 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

صدام جديد بين مانشستر يونايتد وليفربول في كأس الاتحاد

GMT 12:38 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

تفاصيل القبض على والد طفلة التعرية في الدقهلية

GMT 07:05 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

تعرف على أبرز 5 أسباب للشعور بالتعب طوال الوقت

GMT 18:17 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

بسنت شوقي تكشف تفاصيل زواجها من محمد فراج

GMT 06:26 2020 السبت ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

صبحي يطمئن على الأولمبي والفريق يختتم معسكره

GMT 09:26 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الحكومة المصرية تُقدم تسهيلات وخدمات لكبار السن

GMT 06:08 2020 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تؤكد أن نصف البالغين لا يغسلون أسنانهم مساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon