بقلم - سمير عطا الله
عندما جدد فلاديمير بوتين، لم ينتبه أحد إلى أن سيرغي لافروف جدد معه. وعندما عيّن بوتين نفسه رئيساً للوزراء خلفاً لنفسه كرئيس جمهورية، لم ينتبه أحد إلى أن الأرمني سيرغي لافروف جدد لنفسه وزيراً للخارجية. تلك عادة قديمة في روسيا من زمن القياصرة وزمن السوفيات.
من يدخل جنّات الكرملين، يطيب له المقام، يحق له الدوام. يطول المقام أكثر إذا كان صاحبه أرمنياً، يجيد إدارة جناحه في الكرملين من دون أن يُسمع له أي ضجيج. مرَّ الأرمني أنستاس ميكويان في جميع عمليات التطهير والعزل والانقلابات التي عرفها الكرملين. بدأ مع لينين، واستمر مع ستالين، ثم مع خروشوف، ثم مع بريجنيف، ولم يخرج إلا إلى العالم الآخر عام 1978.
يجب أن تتقن الولاء والامحاء. ولست أقول إطلاقاً على سبيل التندر، بل الحقيقة أن أسهل منصب في الكرملين هو وزارة الخارجية. كل ما عليك أن تعرفه هو فهم تعليمات القيصر. ظل أندريه غروميكو وزيراً للخارجية نحو ثلاثة عقود، لم يتغير فيها شيء، ولا فيه، ولا في السيدة ليديا، «الفلاحة» البسيطة التي كانت ترافقه إلى محال «ميسيز» في نيويورك لشراء الثياب في مواعيد الرخصة.
ولم يعرف الحزب الشيوعي كيف يكافئ العم أندريه على سنوات العمل، فجعله رئيساً للدولة. لكنه منصب في تلك الأيام لا تكثر فيه الصلاحيات.
الكرملين هو بيت الصمت، وإن لم يرفع على بواباته شعار «الصمت زين والسكوت سلامة». لا ضرورة لذلك؛ فذوو الألباب يعرفون ذلك من الإشارة. عام 1964 جاء السفير اليوغوسلافي إلى منزل الرئيس عبد الناصر في منشية البكري نحو الثانية بعد منتصف الليل دون سابق موعد. سأله الحراس ماذا يريد، فقال إنه يحمل رسالة من قيادته يريد التأكد أن الرئيس قد تسلمها. قرأ الرئيس المصري رسالة صديقه تيتو، فإذا فيها أن الأحزاب الشيوعية حول العالم، تتناقل خبراً خطيراً مفاده أن نيكيتا خروشوف قد عُزل.
راحت مصر تستطلع «رواية عمرو الليثي»، لكن الزمن يمضي بطيئاً في الكرملين. مرت الأيام ولم يحدث شيء حتى شكّت القاهرة في معلومات تيتو. ثم فجأة، ذات صباح: عُزل وجُرّد من كل مسؤولياته. ولم يره أحد بعدها.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع