توقيت القاهرة المحلي 16:48:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رمان ونارنج

  مصر اليوم -

رمان ونارنج

بقلم: سمير عطا الله

تدور رواية اللبنانية مي منسى تحت شجرة رمان، مزروعة أمام بيت بيروتي متواضع. تحت تلك الشجرة تضع أمها ماكينة الخياطة التي تعمل عليها طوال النهار لمساعدة الأب في تدبّر رزق العائلة. والأب قاس. وفي المنزل أخ عبقري يكتب الشعر، لكنه يصاب بالجنون فينقل إلى المصح. وتتوالى الأحزان على شجرة الرمان حتى تجف عروقها وتيبس.
في عُمان، وفي رواية جوخة الحارثي، الشجرة «نارنجة». والجدة «بنت عامر» ليست أماً لأحد. جاءت إلى المنزل فقيرة تبنتها العائلة، وبقيت فيه، بلا زواج، بلا أبناء من صلبها، لا تترك الدار، لا تتأخر لحظة عن العمل. تعيش ببصر شحيح في عين واحدة، لكنها تملأ الدنيا من حولها حباً.
المنزل الذي تتحدث عنه مي منسى، عرفته تماماً. كان مجاوراً لمنزل أبي. وشجرة الرمان أذكرها تماماً، لكنني لم أعرف شيئاً عنها قبل صدور رواية مي «أوراق من شجرة رمان». وها أنا أقرأ «نارنجة» التي يفترض أنها رواية. لكنها ليست رواية. إنها أنشودة شعرية من أناشيد الأحزان. سماء من الكآبة وأرض من الأحزان وقلم جوخة الحارثي يغرف من المشاهدات، ولا يكف عن التنقل ولا عن استنطاق الأعماق.
حزن التاريخ مثل مرارته، لا يطاق. لذلك، أرمي الرواية جانباً ثم أعود فأقرأ. ثم أشعر أن حزنها لا يطاق، فما الذي يرغمني على التحمل؟ لكن جوخة تخلط التاريخ بالتمر المجفف والنوى بمسحوق الجوز، وتضرب على أوتارك سحراً خفياً لا فكاك من خدره.
وأنى هربت أو تهربت، سوف تمتثل «جدتي بنت عامر» أمامك، وقد خلعت قبقابها الخشبي على المدخل لكي لا تسيء إلى السجاد. وحتى عندما تسافر «البطلة» إلى لندن للدراسة، يلاحقها ظل بنت عامر، التي مرت في الوجود من دون أن يقترب منها. ولم يكن في الأرض حزن أكبر من الحزن الذي عصف بالبيت يوم ماتت أم عامر في حنوها وهدوئها. وجفّت النارنجة من تلقائها. وأخفقت ركابها، وتنفض عن نفسها خدر الراحة وتستعد لرحلة العودة في الجبال والأودية.
كيفما تطلعت حولي الآن، لا أرى ريحانة واحدة. العدس يأتي معلباً من فرنسا، والبقول الأخرى تأتي من بلاد بعلبك معلبة كذلك. تعرفت في غداء احتفالي على رجل ينادى «العميد»، فسألت إن كان عميداً في الجيش أو في الجامعة، فقيل إنه عميد أصحاب شركات الأغذية المعلبة. فسألني: وحضرتك؟ قلت أنا ريّس الريحان في سالف العصر والأوان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رمان ونارنج رمان ونارنج



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 09:48 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش الاحتلال يعلن اغتيال 5 قادة من حماس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon