بقلم - سمير عطا الله
وصل المهاجر اللبناني إلى كل مكان يخطر في البال، وإلى الأمكنة التي لا تخطر في بال. كانت الأكثرية الساحقة من المهاجرين أوائل القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين من الفلاحين والمزارعين وغير المتعلمين. وكانت جهات الهجرة محدودة: الأميركتان، شمالية وجنوبية، وأفريقيا. لكن السفن كانت أحياناً تحمل الركبان إلى شواطئ غير متوقعة.
الأديب والمفكر الكبير سعيد تقي الدين، هاجر إلى الفلبين، يوم لم تكن على الخريطة إلا لأهلها. وسافر الطبيب جورج حاتم إلى أبعد من ذلك، إلى الصين. استقر في شانغهاي، فتعرف فيها إلى فتاة أرستقراطية جميلة تدرس المسرح. كان الحب صاعقاً والقرار سريعاً، فتزوج اللبناني جورج حاتم من الصينية سو في.
والصينية سو في كانت صديقة حميمة لزوجة صيني شهير يدعى ماو تسي تونغ. وبسبب ذلك، تعرف حاتم إلى ماو وقامت بينهما صداقة استمرت حتى النهاية. لم تكن الروابط الاجتماعية هي الأساس، بل الفكرية. فجورج حاتم، المولود في الولايات المتحدة من أبوين لبنانيين، أرسله أهله إلى الجامعة الأميركية في بيروت لدراسة الطب. وكانت المرحلة مرحلة حماس للاشتراكية، فانضم حاتم إلى لوائها. وتزايد حماسه عندما سافر إلى جنيف لإكمال دراسته، حيث تعرف على رفاق آسيويين. وهكذا، لم يعد إلى أهله في ولاية نورث كارولينا، بل قرر السفر إلى الصين. وفي عام 1937 أصبح ماهايدي، طبيب ماو الخاص وطبيب «المسيرة الكبرى» التي يقودها. بقي ماهايدي إلى جانب ماو حتى وصوله إلى بكين، عام 1949، وإعلان «جمهورية الصين الشعبية».
ويقول سفير لبنان في بكين فريد سماحة، إن أول قرارين اتخذهما ماو، منح ماهايدي أول جنسية صينية لأجنبي، والثاني، تعيينه المسؤول الأول عن شؤون الصحة في كل الصين.
لم يتوقف نشاط حاتم على معالجة نحو 40 ألف صيني، بل كان بارزاً في الحياة السياسية. وفي بكين تعرف إلى إدغار ضو، أشهر صحافي أميركي كتب عن ماو. لكن بناءً على رغبة حاتم، لم يذكر اسمه في الطبعة الأولى من كتابه «نجمة حمراء فوق الصين»، بل يرد ذكره «كطبيب متعلم في الغرب دحض الشائعات القائلة إن ماو مصاب بمرض عضال».
وبعد انتصار ثورة ماو، انتقل حاتم إلى مدينة ينان وأشرف على محاربة البرص في البلاد إلى أن تم محوه نهائياً. وحمل ابنه ذو يو ما وابنته ليانغ بي أسماء صينية. وصدرت في أميركا مؤلفات عدة عن «طبيب الشعب» بينها ما أورده إدغار ضو في كتابه: «الصين الحمراء اليوم» عام 1961. وادعى نسبته الأميركيون، في حين قدمت له بلدته حمانا اسم ساحتها وعليها تمثال له قدمته الصين.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع