بقلم - سمير عطا الله
أليس مفاجئاً أن يأتيك خبر طيّب من ليبيا هذه الأيام؟ خلاصته أن البرلمان الليبي اقترع على ردّ الاعتبار للملك الراحل إدريس السنوسي الأول، فأعاد إليه الجنسية التي جُرّد منها، وإلى ولي عهده وأحفاده الحقوق المدنية والممتلكات التي فرّغتها منهم ثورة الفاتح من الزمن الجماهيري الشعبي الاشتراكي العظيم.
هذه أول مرة نعرف فيها أن الثورة التي قام بها مجموعة من الضبّاط حاملي رتبة ملازم، أقدمت يومها على تجريد مؤسس ليبيا الحديثة، وصانع وحدتها، من جنسيته. فالانقلاب في حدّ نفسه كان ظاهرة شائعة في العالم العربي آنذاك، ومنه الانقلاب العسكري بصورة خاصة، لأن وسيلته كانت الدبابات، التي لا يستطيع المدنيون اقتناءها في حدائق منازلهم. وكان الانقلاب الماجد منازلهم. وكان الانقلاب الماجد يسمي كل من سبقه عهداً بائداً. وهكذا، سمي أيضاً عهد إدريس السنوسي الذي قاد الحركة إلى الاستقلال والحرية والوحدة، وذلك الاستقرار المديد الذي انتهى بخروج الضباط من ثكناتهم. كان الانقلاب يقضي بحرمان الحاكم من سائر حقوقه، وإرساله إلى الإعدام، أو إلى السجن هو ورجاله وكل من معه، ومصادرة أملاكه وإسقاط اسمه من التاريخ، وإذا ما بقي حياً فإحالته إلى محكمة صورية سمجة عجز فرانز كافكا عن تصويرها.
الذي لم أسمعه من قبل أن موحّد ليبيا المستقلة قد جُرّد من جنسيته. ومن حسن حظه أنه كان عند وقوع الانقلاب يُعالج في تركيا. فلما تأكد له أن البلاد قد آلت إلى جمهورية القذافي، لجأ إلى مصر حيث مُنح حق اللجوء والإقامة المحترمة. ومنها أعاد إلى الدولة الليبية سيارتي مرسيدس كانتا معه، باعتبار أنهما ليستا ملكاً خاصاً له. ذلك هو الرجل الذي أطاحه ملازم، سوف يقال فيما بعد إنه يملك نحو 150 مليار دولار. وفي ذروة التهريج السياسي السوريالي، لم يتردد مرة في إبلاغ الشعب بأن راتبه الشهري هو 500 دولار. ووقف يومها الليبيون الذين هتفوا ذات يوم «لا للاستعمار». «يصرخون لا للاستحمار»، وهذا هو الهتاف الذي تردد في الأيام الأخيرة في شوارع المدن الجزائرية.
لا أدرى ماذا يُصيب العقلاء أيضا في لحظات الامتحان الكبير. لكن ونحن نرقب ونترقّب الأيام الحرجة والمخيفة في الجزائر والسودان، حدث أمران: في الأول كان ردّ الرئيس بوتفليقة على هذا البركان، أنه أصدر أمراً بإقالة مدير حملته الانتخابية. وفي الخرطوم أصغى المشير البشير إلى جموع الناس الذي يتحدّون أحكام الطوارئ، وأبلغهم أنه نقل صلاحياته إلى نائبه. لقد حلّت المسألة إذن في البلدين. في الجزائر كانت المشكلة تقصير مدير الحملة الانتخابية. وفي السودان كانت بكل وضوح، انتقال الصلاحيات من الرئيس إلى نائب الرئيس. واضح أن البشير الذي افتقر مؤخراً إلى الحلول، نَسَخ ما فعله الرئيس مبارك. وكما تأخر مبارك في فهم الحالة المتغيرة، تأخر هو أيضا.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع